في خضم التخبّط المسيحي واعتراض الأطراف المسيحية العالي السقف لجهة إقصائها من الدولة، برز تحرّك لافت للجنة الخماسية، التي ربما تلقفت رسالة، فبادرت الى المبادرة والتواصل مع الأفرقاء المسيحيين الفاعلين والمعنيين بالملف الرئاسي تحديداً، في خطوة ذكية وواضحة، للدلالة الى اهمية الدور المسيحي والأطراف المسيحية، وضرورة الاستماع الى طروحاتها، وربما في المقابل إيصال رسائل الخماسية اليها. فهل تمّ تبادل الرسائل؟
قالت مصادر ديبلوماسية فرنسية لـ«الجمهورية»، انّ الفكرة الجديدة للخماسية التي بدأت مع رئيسي مجلس النواب والحكومة، لحظت انّ من الضروري إعطاء تحرّكها دينامية جديدة، فتداركت أمر إعطاء الأفرقاء المسيحيين حيزاً مهمّاً من لقاءاتها في اعتبار هم المعنيون الأساسيون بالملف الرئاسي. وتجاوباً مع عظات البطريرك الراعي وتصريحاته، كان من المهمّ الاجتماع به والاستماع اليه واستشارته وليس لطرح افكار جديدة عليه.
ويعتبر المصدر، «انّ هذه الدينامية الجديدة هي مؤشر ايجابي على الرغم من تخبّط المجتمع الدولي في الأحداث الدائرة في المنطقة عموماً وفي قطاع غزة خصوصاً، فاللجنة الخماسية لا تزال تولي أهمية للبنان وتحديداً للملف الرئاسي، والأهم انّ هناك نية واضحة لفصل هذا الملف عن ملفي الحدود الجنوبية وغزة، وهذا الامر هو مؤشر جيد وايجابي في حدّ ذاته».
هل تراجع الدور الفرنسي؟
عن تراجع الدور الفرنسي يذكّر المصدر بأنّ الديبلوماسية الفرنسية استطاعت في مكان ما تجاوز حرب غزة واستكمال مهمّتها، والأهم أنّها استطاعت انتزاع جواب رسمي وخطي من الحكومة اللبنانية، عندما كانت الاجابات تأتيها فقط من أمين عام حزب معيّن عبر الاعلام «الّا اننا اليوم انتقلنا من موقف او اجابة تمرّ عبر حزب الى موقف لبناني تَجَّسد بالجواب الرسمي الحكومي التي خطّته الحكومة اللبنانية للديبلوماسية الفرنسية على الورق. وهذا إنجاز في حدّ ذاته».
الحوار والخماسية
ويكشف المصدر، انّ الخلاصة التي كونها الموفد الفرنسي جان ايف لودريان من مهمّته في لبنان بعد 4 زيارات لبيروت، أجمعت عليها كافة الاطراف، وملخّصها أنّ الأزمة الرئاسية ليست دستورية انما سياسية، مشيراً الى انّ الآلية لتشاور اللبنانيين في ما بينهم موجودة وقائمة، وهي مجلس النواب. ولذلك الفكرة كانت إخراج كلمة «حوار» و«الطاولة المستديرة» من التداول، لأنّ لا حاجة لها بوجود مجلس للنواب، اي انّه لا حاجة لخلق آلية دستورية طالما انّ هناك مجلساً للنواب، خصوصاً انّ كلمة حوار أثارت ريبة كثيرين، لذلك ارتأت اللجنة الخماسية إزالتها من التداول واستبدالها بكلمة «مشاورات».
ويوضح المصدر، انّ «التشاور كان هدفنا منذ البداية. ولذلك اطلقنا فكرة المشاورات بين اللبنانيين ليصار بعدها الى انتخاب رئيس». مؤكّداً «انّ فرنسا تشجع كل مبادرة داخلية كانت ام خارجية متزامنة مع تحرّك اللجنة الخماسية، اذا كان الهدف منها دعوة اللبنانيين الى التشاور ريثما يُصار الى انتخاب رئيس جمهورية».
ويكشف المصدر، «انّ فكرة تشاور الاطراف في ما بينهم كانت مطروحة في كل لقاءات اللجنة الخماسية مع كافة الاطراف الذين بحثت معهم في الملف الرئاسي، آخذةً في الاعتبار الموقف المسيحي الذي عبّرت عنه علناً الاطراف المسيحية، بسبب تخوفها من فكرة خلق آليات جديدة لعملية انتخاب رئيس للجمهورية خارج الدستور، وخوفاً من الانقلاب على المسار الدستوري لآلية الانتخاب».
اما عن نتائج جولة الخماسية على الأقطاب المسيحيين، فكشف المصدر لـ«الجمهورية»، انّ المشاورات تتطور والحديث ايضاً لم يعد يدور في الشكليات والعموميات، بل بدأ ينحصر بنقاط محدّدة، وهذا مؤشر ايجابي لأنّ البحث تطور وبدأ يتناول النقاط المعقّدة الواضحة، والتي تلزمها فكفكة لاستكمال المسار الدستوري، وهي التشاور قبل الجلسة التشريعية بجلسات متتالية، مشيراً الى «انّ المواضيع التي تتداول بها الديبلوماسية الفرنسية منذ سنة ونصف سنة بدأت الآن في التبلور، بعدما حدّدت الاطراف مواقفها منها، وهذا ايضاً امر ايجابي».
اما بالنسبة الى هدف الديبلوماسية الفرنسية من زيارة السفير الفرنسي هيرفي ماغرو دارة رئيس «التيار الوطني الحر» امس، فأوضح المصدر الفرنسي انّها جاءت ايضاً «في اطار العلاقات التي تقيمها فرنسا مع جميع الاطراف في لبنان، وبالتحديد مع الطائفة المارونية».
التسمية و«الخماسية»؟
بالنسبة الى لقاءات اللجنة الخماسية مع الأطراف السياسية، يكشف المصدر نفسه، انّه لا يتمّ التطرق خلال هذه اللقاءات الى اسماء بل الى مواصفات. ولكن هذا لا يعني ان ليس لكل دولة مبادرات ومقاربة خاصة بمصالحها وبنظرتها الى الامور. فمن الممكن ان يكون لأحد الاطراف تسمية كما سمعنا سابقاً بالنسبة الى الدولة القطرية، حين طرحت اسم اللواء البيسري وغيره».. ويضيف: «انّ الديبلوماسية الفرنسية تراقب ايضاً باهتمام تنقّل بعض المسؤولين اللبنانيين بين بيروت والدوحة، والواضح أنّ هناك نشاطاً سياسياً قائماً بمعزل عن نشاط «الخماسية»، وقد يسهّل ربما مهمّتها. اما بالنسبة الينا كدولة فرنسية، او كلجنة خماسية، فنحن متفقون على الموقف الرسمي بعدم التسمية».
زالت الخلافات؟
ويلفت المصدر الفرنسي الى انّ أعضاء اللجنة الخماسية اتفقوا على ان يقوم كل منهم بمهمّته داخلياً عوض الاجتماع في بلد محدّد، بعد تعثر انعقاد اللقاء في مصر. ويضيف «انّ الدور الفرنسي هو دور تدوير الزوايا وتأكيد الموقف الجامع للجنة الخماسية».
وعمّا اذا كان الدور الفرنسي قد تراجع مقابل تقدّم في الدور القطري او المصري، يجيب المصدر «انّ الموفد الرئاسي لودريان كان هدفه إثارة فضول الدول الكبرى إزاء الملف اللبناني، في وقت لم يكن على سلّم اولوياتها، كالولايات المتحدة والسعودية، فيما كانت فرنسا الدولة الوحيدة التي جعلته من اولوياتها وسارت به حتى النهاية، الامر الذي عملت عليه ايضاً الديبلوماسية الفرنسية في لبنان، وكان هدفاً لها. لذلك تفخر الديبلوماسية الفرنسية اليوم في أنّها اعادت هذا الملف اولوية الى الأجندات الدولية، وهذا في حدّ ذاته إنجاز. اما بالنسبة الى دولة مصر فالسفير المصري لديه تكليف غير رسمي بالاتفاق بين اطراف اللجنة الخماسية ان يكون هو المتحدث باسمهم بعد اللقاءات مع الاطراف».
ويوجز المصدر مهمّة اللجنة الخماسية بالقول: «انّها انحصرت اليوم بالنقاط التي توصّل اليها الموفد الرئاسي لودريان خلال زياراته الاربع الى لبنان، اي موضوع المشاورات وليس الحوار، الآلية الدستورية الواضحة، جلسة بدورات متتالية، النصاب، مواصفات الرئيس، وبرنامج العمل».
وكشف المصدر نفسه، انّ لودريان أخذ في الاعتبار ردود النواب على رسالته لهم، واستعان بها في تقاريره وتحليلاته للوضع، وتمّ بناء الخطوات الأساسية للمرحلة المقبلة ولعمل اللجنة على اساس تلك الإجابات.
برنامج «الخماسية» المستقبلي؟
ويكشف المصدر نفسه، انّه ولمناسبة شهر رمضان فإنّ بعض السفراء المعنيين بالخماسية كالسعودية وقطر ومصر، سيعودون الى بلادهم، الامر الذي سيخفف دينامية الخماسية، الّا انّ هذا لا يعني انّها ستتوقف عن متابعة مهمّتها، بل من الطبيعي ان تخفّ في فترة الصوم والاعياد وفي فترة غياب سفرائها، انما هذا الامر لا يعني أنّها ستتراجع عن استئناف مهّمتها بزخم بعد الاعياد، ولا يصح قراءة هذا الغياب فشلاً او تراجعاً!
وأمل المصدر الديبلوماسي الفرنسي في «أن يكون هذا الغياب فرصة لتذكير النواب انّ هذه المهمّة هي في النهاية ليست مهمّة سفراء اجانب بل مهمّة سفراء شعب ونواب محليين ووطن، علّهم يعيدون النظر في زمن الاعياد لأنّهم موجودون في لبنان وليسوا غائبين. لذلك الأجدى بهم ان يقوموا بواجباتهم».
