Site icon IMLebanon

لا رئيس للجمهورية في المدى المنظور

 

إنتهت ولاية الرئيس ميشال عون في 30 تشرين الأول 2022. وعندما اندلعت حرب غزة والجنوب في 7 تشرين الأول 2023، كان الفراغ الرئاسي على وشك أن يطفئ شمعته الأولى. وعلى مدى هذا العام الكامل من الفراغ، لم يكن أحد يسأل عن الرئاسة أو الجمهورية أو الفراغ، لأنّ المهم بالنسبة إلى القوى السياسية والطائفية ليس ملء الفراغ وتسيير المؤسسات وفقاً للدستور، بل المجيء بالرئيس الذي يخدم مصالحها. وهذا الأمر ليس مستغرباً في ظل ميزان القوى السائد حالياً.

في ميزان القوى، هناك ثابت هو الشيعي، ومتحركان هما السني والمسيحي. فعندما كان عون في السلطة، تعاونَ معه الشيعي واختارا الممثل السنّي في الحكم، أي رئيس الحكومة، فكان الرئيس سعد الحريري «كبش فداء السلطة» الذي خرج من السرايا، من أجل كبح «ثورة» 17 تشرين الأول 2019.

 

بل إن التحالف الشيعي – المسيحي ارتضى أن يكون خلف الحريري في رئاسة الحكومة سنّياً تنقصه الحيثية التمثيلية داخل الطائفة، هو حسان دياب. كما أن هذا التحالف كانت له اليد الطولى في تعيين وزراء الطائفة السنية في تلك الحكومة. وهذا ما أثار اعتراضات في العديد من الأوساط السنية، وخشية من انعكاسات سلبية على مفهوم الشراكة الوطنية مستقبلاً، في بلد مُعرَّض لانقلابات دائمة، حيث الأقوياء اليوم يصبحون ضعفاء غداً، والعكس صحيح.

 

وعندما انتهت ولاية عون، ظنّ كثيرون أن التحالف الشيعي – المسيحي إيّاه سيقرر التمديد للرئيس الحليف بأيّ من الأشكال المتاحة، بعد ابتكار الحجج المناسبة. وفي العادة، تقوم القوى السياسية والطائفية في لبنان، كلّ منها بمقدار ما تسمح لها قوتها، بفرض الخيارات السياسية وفقاً للمصالح، ومن دون أي اعتبار لنصوص الدستور. لكن التمديد لعون لم يحصل، وتبين أن للثنائي الشيعي خيارات أخرى في هذا الملف، ما اقتضى رحيل عون وبقاء الموقع في فراغ.

 

وفي هذه الحال، بدا الشريك السني هو الأقرب إلى الشيعي، فيما ابتعد المسيحي. و«وَرثت» حكومة الرئيس نجيب ميقاتي صلاحيات الرئيس، وهي تعمد إلى توسيع حالات تصريف الأعمال، وفقاً للمقتضى.

 

وُضع الملف الرئاسي في الأدراج. ومنذ اندلاع الحرب في غزة، هو يبتعد أكثر فأكثر. وباتت مسألة انتخاب رئيس للجمهورية هامشية فعلاً، فيما المطروح هو مصير الجمهورية التي يمكن أن تذهب ضحية قرار إسرائيلي بتوسيع رقعة الحرب لتشمل البلد كله.

 

طبعاً، هناك قوى عدة تحاول اليوم دفع الملف نحو الخرق لأسباب ثلاثة:

 

1 – الحاجة إلى استعادة التوازن الطبيعي داخل مؤسسات الحكم.

2 – إحتمال توقيع أي اتفاق في الجنوب، على غرار اتفاق الترسيم البحري. فالدستور ينص على أن رئيس الجمهورية هو المولَج بالمفاوضة وتوقيع المعاهدات.

3 – مطالبة المسيحيين باستعادة الشراكة الطائفية داخل مؤسسات الحكم.

 

وفي الخلاصة، تبدو بكركي والقوى السياسية المسيحية هي الأكثر حماساً في هذا المجال. وفي موازاتها، تتحرك قوى عدة من داخل المجلس النيابي، من منطلقات المصلحة الوطنية.

 

ولكن، هل هناك فعلاً فرصة لنجاح المبادرات وانتخاب رئيس للجمهورية فيما تعصف بالبلد مناخات الحرب المحمومة؟

يقول ركن سياسي: ملف الرئاسة واقع عملياً بين استحالتين. فالذين يستعجلون انتخاب رئيس، والمسيحيون في طليعتهم، يمكنهم طرح الاعتراضات، لكنهم لا يملكون الأدوات الكفيلة بانتخاب رئيس. وفي المقابل، الذين يمتلكون القرار الوازن ليسوا مستعجلين لإنجاز الاستحقاق بتسوية «سهلة»، ويريدون ضمان مكاسبهم قبل إعطاء الضوء الأخضر للعملية. وفي ظل هذه المعادلة المعكوسة بين الطرفين سيدور ملف الرئاسة في الفراغ، في انتظار معجزة سياسية.

 

وفي أي حال، لا أحد في المجتمع الدولي ولا الجامعة العربية يعنيه اليوم كثيراً أن تكون الجمهورية اللبنانية برئيس أو بلا رئيس. والمهم وجود ممثلين للسلطة يمكنهم المفاوضة واتخاذ القرار. واللجنة الخماسية المعنية بالشأن اللبناني لا تضيع وقتها بالبحث عن رئيس للجمهورية، بل بالجهد الطارئ لمنع انفجار الحرب على الحدود مع إسرائيل. وهي لا تتطرق إلى الرئاسة إلا عَرَضاً، وعندما يبادر بعض المسؤولين اللبنانيين إلى إثارتها.

 

ويعلّق السياسي على هذا الأمر بالقول: في عالم السياسة والمصالح، ملف رئاسة الجمهورية يبدو ثانوياً. وما دامت الدول تفاوض الأقوياء وتُبرم معهم الاتفاقات، كما فعلت في اتفاق الترسيم البحري، فلا داعي للانشغال بالتفاصيل.

ولذلك، حتى إشعار آخر، سيكون على اللبنانيين، المسيحيين خصوصاً، أن ينتظروا كثيراً لملء الكرسي الشاغر في بعبدا، علماً أن كل الأطراف مسؤولون عن هذا الفراغ. فكل منهم ارتضى التلاعب بالدستور وتفسيراته، في لحظة معينة، ومن منطلقات مصلحية لا وطنية.