من المتوقع استمرار الجمود السياسي على الساحة الداخلية الى ما بعد منتصف الشهر الجاري نتيجة عطلتي عيدي الفصح والفطر، وفي هذا الوقت تسيطر مرحلة شديدة الغموض ومحفوفة باحتمال حدوث مخاطر أمنية على خلفية مواصلة إسرائيل اعتداءاتها على لبنان.
وبالعودة الى الملف الرئاسي والحراك المتعلق به، يبدو انه قد وضع في الثلاجة بفعل استراحة سفراء اللجنة الخماسية الذين وعدوا باستئناف حراكهم بعد انتهاء فترة الأعياد، دون أن يعني ذلك التوصل الى مقاربة واضحة للاستحقاق الرئاسي أو حصول أي خطوات ملموسة، وبالانتظار تبقى المواقف السياسية الداخلية على حالها، مع ربط البعض الملف الرئاسي بما ستؤول إليه الأوضاع في غزة وجنوب لبنان ليُبنى على الشيء مقتضاه.
وسط كل هذه الأجواء، كان اللافت الدوي السياسي لرسالة الفصح التي أطلقها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من خلال تحميله صراحة تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية الى رئيس مجلس النواب نبيه بري والمجلس النيابي عندما قال: «فها هو المجلس النيابي بشخص رئيسه وأعضائه يحرم عمدا ومن دون مبرر قانوني دولة لبنان، من رئيس، مخالفا الدستور في مقدمته التي تعلن ان «لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية».
وفي هذا الإطار تعتبر مصادر «الثنائي الشيعي» لـ«اللواء» بأن كلام البطريرك الراعي ليس في محله، واضعة مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية الى الأطراف المسيحية وتحديدا المارونية – المارونية من خلال عدم توافقهم على اسم الرئيس، وتشير المصادر بأن هذا الخلاف هو الذي دفع بكركي للدعوة الى الاجتماع الأخير من أجل ضمان موقف ماروني موحّد تجاه الملف الرئاسي، لافتة الى ان فشل هذا الاجتماع يؤكد ان الخلاف هو داخل البيت المسيحي، رافضة تحميل الرئيس بري تبعات تعطيل إجراء الانتخابات الرئاسية.
وردّا على سؤال حول إمكانية تنازل «الثنائي الشيعي» عن مرشحه رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية طالما ان الأطراف المسيحية ترفض انتخابه، تقول المصادر: «لسنا في وارد التنازل عن ترشيح فرنجية طالما ان لا أسباب مقنعة للمعارضة برفضه»، وتراهن المصادر على تغيير المعارضة موقفها من رئيس المردة، بعد الوصول الى تسوية إقليمية ودولية والتي باتت في أشواطها الأخيرة حسب قولها والتي ستكون داعمة لوصول فرنجية الى السدة الأولى، مشددة بأنه لا يمكن انتخاب أي رئيس إلّا بموافقة «الثنائي الشيعي» عليه.
وحول إمكانية الموافقة على الخيار الثالث وتحديدا قائد الجيش العماد جوزاف عون ترى مصادر «الثنائي» بان أسهم قائد الجيش تراجعت، خصوصا بعد الاعتداءات التي تطال الأراضي اللبنانية، ورفضه مساندة المقاومة وتغاضيه عن استهداف إسرائيل لمواقع الجيش وسقوط شهيدا من عناصره.
في المقابل، تؤكد مصادر نيابية مارونية لـ«اللواء» على وحدة الموقف الماروني الرافض لانتخاب فرنجية، وتشدّد على وجوب دعوة الرئيس بري لجلسة انتخاب كما ينص الدستور، لإجراء العملية الانتخابية بشكل ديمقراطي وليفوز عندها من يفوز، وتلفت المصادر الى ان تسويق «حزب الله» لفرنجية لو جاء بطريقة مختلفة لكان ربما تغيير الموضوع، ولكن تقديمه بالطريقة التي تمّت تؤكد انه مرشح تحدٍّ، وقبول فريق المعارضة به يعني انتصار «للثنائي الشيعي» والذي يبدو انه لا يريد انتخاب رئيس، باعتباره المستفيد الوحيد من استمرار حالة الفوضى في البلد.
من ناحيتها تردّ مصادر «القوات اللبنانية» على ما يقال بان عدم التوافق الماروني على مرشح هو سبب تعطيل الانتخابات الرئاسية فتقول: «هناك وقائع والحكم يكون عليها، وكما بات معروفا فان هناك تقاطعا مسيحيا حول المرشح جهاد أزعور».
وتقول المصادر: «ربما لم نستطع بعد الوصول الى مقاربة مسيحية واحدة حول ضرورة نزع سلاح «حزب الله» لان «التيار الوطني الحر» لم يصل بعد الى هذا الموضوع، ولكن الأكيد اننا على توافق تام حول أزعور، ونؤكد باستمرار التقاطع عليه».
وترى المصادر بان المشكلة ليست بعدم التوافق المسيحي بل المشكلة ان هناك فريقا لا يزال يصرّ على إقفال البرلمان، رافضا إجراء انتخابات رئاسية إلّا باستثناء انتخاب مرشحه الرئاسي، مجددة رفضها لمبدأ الحوار قبل الانتخابات لمخالفته للدستور، باعتبار ان الأمر هو «هرطقة دستورية» لان لا شيء اسمه حوار ملزم يجب أن يسبق الانتخابات الرئاسية، معتبرة ان هناك محاولة لتكريس أعراف جديدة تهدف الى تحويل رئاسة المجلس الى أمّ الرئاسات في لبنان، وهي «المولدة» لرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وتشكيل الحكومة، وهذا أمر مرفوض فلكل رئاسة صلاحياتها التي تقف عندها، وبالتالي كل ما يحصل ان فريق الممانعة يتصلّب في موقفه لإيصال مرشحه، وبالتالي فهو من يعطّل الانتخابات الرئاسية.
وتعود المصادر للتذكير بموقف البطريرك الماروني الذي سمّى المعطّل بالاسم و علنا عندما قال: «ان رئيس مجلس النواب لا يطبق الدستور».
وتختم المصادر بالتأكيد بان المشكلة ليست عند المسيحيين بل عند الفريق الممانع الذي يعطّل الدولة، ويستبيح المؤسسات ويصادر موقع رئاسة الجمهورية ويمنع الانتخابات الرئاسية.