لم يعد خافيا ان الملف الرئاسي لم يعد اولوية سواء داخلية او حتى خارجية. فمع تفاقم المخاوف من توسعة الحرب “الاسرائيلية” على لبنان، كما مع حالة الاستنفار التي تشهدها المنطقة بعيد القصف “الاسرائيلي” للقنصلية الايرانية في دمشق، بات الهاجس الامني هو المسيطر خاصة مع الدفع الواضح سواء من قبل فرقاء لبنانيين وآخرين غربيين لحل لبناني يأتي على شكل سلة واحدة، تلحظ الرئاسة والوضع في الجنوب في آن.
وفيما يتقدم الاميركيون عبر موفدهم آموس هوكشتاين صفوف المتحمسين لحل متكامل للازمة اللبنانية، لا يزال الفرنسيون على قناعة بوجوب تركيب “البازل” اللبنانية كل قطعة على حدة، وهم مقتنعون بوجوب فصل ملف الرئاسة عن ملف حرب غزة، وبخاصة انها لا تزال تبدو من دون أفق قريب للحل.
صحيح ان حزب الله وعلى لسان امينه العام السيد حسن نصرالله كرر اكثر من مرة، ان الحزب لا يسعى لاستثمار نتائج الحرب القائمة بالسياسة الداخلية اللبنانية وبالتحديد في ملف الرئاسة، الا ان رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل لا يزال مقتنعا العكس، لذلك خرج مؤخرا ليسأل “هل ينتظرون تسوية كبيرة تفرض علينا رئيسا؟ وهل هذا الامر يحقق السلام والعدالة بين المواطنين”؟ مؤكدا “ان لا تسوية كبيرة آتية قريبا، وليس من منتصر كبير في الحرب الدائرة، وكل تأخير في الحل يكلفنا كثيرا جميعا مسلمين ومسيحيين”.
وتشدد مصادر قريبة من حزب الله على ان “كل الحديث عن استخدام الحزب ملف الرئاسة ورقة للمساومة في المفاوضات المرتقبة في المنطقة، انما هو حديث في غير مكانه وغير واقعي، ولا يتكىء على اي وقائع، انما على نيات وتحليلات لا تمت الى الواقع بصلة”، موضحة ان “الازمة الرئاسية ازمة داخلية حصرا، وسببها الاساسي التوازنات البرلمانية القائمة، والتي لا تسمح لاي فريق بايصال مرشحه، لذلك فان من يرفض الحوار هو الذي يعيق تقدم الامور، وليس الفريق الذي لديه مرشحه يدعمه ولا يراوغ فيه كما يفعل الآخرون”.
وبالرغم من كل ما يُشاع عن احتراق ورقة رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، وعن اشارات بدأ “الثنائي الشيعي” يعطيها لاستعداده التراجع عن هذا الترشيح، مقابل مكاسب معينة في التسوية المرتقبة للمنطقة، تؤكد مصادر معنية بالملف ان “فرنجية لا يزال يحافظ على حظوظه، ولا يزال اللاعب الاساسي في الحلبة الرئاسية” ، لافتة الى ان “حظوظ قائد الجيش العماد جوزيف عون هي التي تراجعت على حساب تقدم حظوظ مدير عام الامن العام بالانابة اللواء الياس البيسري”.
وتضيف المصادر ان “العماد عون وبقراره الدخول بمواجهة مباشرة مع الوطني الحر قلّص حظوظه، لعلمه بأن حزب الله ايضا غير متحمس كثيرا لتبوئه سدة الرئاسة الاولى. كل ذلك ادى الى وصول قطر، التي كانت داعمة اولى لترشيحه الى قناعة بوجوب العمل على تسويق مرشح آخر لا يكون هناك اي “فيتو” على اسمه، فوقع خيارها على اللواء البسيري الذي يتقدم حاليا لائحة المرشحين التوافقيين”.
وتشير المصادر الى “مساع حثيثة يبذلها اكثر من طرف متضرر من التفاهم على انتخاب البيسري لاحراق ورقته، لذلك يحرص الاخير على التنقل في حقل الالغام الرئاسي بكثير من التأني والحيطة والحذر، وبخاصة انه يحظى بعلاقات جيدة جدا مع القسم الاكبر من القوى اللبنانية، اضف ان علاقاته الخارجية ممتازة ايضا”. وقالت المصادر “لم تكن محاولة تعويم اسم العميد السابق في الجيش اللبناني جورج خوري، الا احدى محاولات ضرب ترشيح البيسري”.
واشارت المصادر الى انه لا تزال هناك اسماء اخرى تنافس بقوة رئاسيا، وان كان من بعيد ومن خلف الستارة، لاعتبارها ان المرحلة هي مرحلة حرق الاسماء، ولعل ابرزها الوزيرين السابقين ناجي البستاني وزياد بارود.