التوجُّه نحو الخيار الثالث محور المشاورات ولا اتفاق بعد
لم تعكس اجواء اللجنة الخماسية المعنية بالملف الرئاسي اجواء غير مريحة، كما أنها لم ترسم صورة زهرية عن الملف، وانطلاقا من ذلك بقي المناخ على حاله أي أن ما من تطور أو تقدم، حتى وإن لم يكن هذا هو الهدف المنشود في بداية الأمر. ومع اختتام لقاءات اللجنة الخماسية مع الكتل النيابية، كان واضحا عدم الاسراف في التفاؤل بقرب إنجاز الملف الرئاسي، فلو كان الجو على هذا النحو لكانت اللجنة تعمدت في نقل «البشرى» إلى الرأي العام. وأياً يكن، فإن سفراء اللجنة ادوا قسطهم للعلى وحاولوا في لقاءاتهم التشجيع على إنهاء الشغور، وتأكيد دور الكتل النيابية في الانخراط في هذه العملية من دون طرح بدائل دستورية.
تجنبت اللجنة وضع قواعد أو مواصفات رئاسية، واستمعت إلى مواقف الكتل النيابية ومدى استعدادها للمساهمة في انتخاب رئيس جديد للبلاد، وتمكنت في خلاصة الاجتماعات من تكوين صورة في الأصل لم تختلف عن تلك التي وصلت إليهم حول تمسك قوى الممانعة بالحوار ورفض المعارضة لأي اقتراح لا يؤدي إلى عقد جلسة انتخاب قبل أي أمر آخر. وهذه المعضلة غير قابلة للخرق بأي وسيلة ممكنة، لا بل صار شبه محسوم أن لا شيء جدياً قبل انتهاء مشهد غزة والجنوب وبالتالي فإن أية محاولة لفصل الملفين قد لا تنجح.
اما ماذا بعد انتهاء اجتماعات اللجنة الخماسية والإصرار على إتمام الاستحقاق الرئاسي. مما لا شك فيه أن هذا الملف تحرك بعد عطلة الأعياد، واظهرت مداولاته أن الانتقال إلى خيار رئاسي جديد لن يصبح واقعا قبل التوافق عليه، في حين أن فرضه ليس بفكرة جيدة ابدا.
وتعرب مصادر سياسية عن اعتقادها عبر «اللواء» أن اللجنة الخماسية أقرت من خلال السفراء أنها لا يمكن أن تحل مكان القوى السياسية التي تنتخب الرئيس، وأنها تسعى إلى نقاط توافقية بين جميع الكتل النيابية، ومن هنا استمعت ورحبت بمسعى تكتل الاعتدال الوطني كما بمساع أخرى من منطلق قيام جهود محلية لكسر الحلقة المفرغة، ولفتت إلى أن النقاش الذي دار في بعض اللقاءات تركز حول الاقتراحات المناسبة التي يمكن الركون إليها وتعتبرها الكتل النيابية أهلا بمواصلة العمل لأجلها، حتى في الخيار الثالث والذي حضر من ضمن هذه الأفكار، فإن اللجنة استفسرت عن السير به ومدى تأييده كحل رئاسي جامع، موضحة أن السفير المصري علاء موسى والذي أوكلت إليه مهمة اطلاع الإعلاميين على نشاط اللجنة تحفَّظ عن الدخول في التفاصيل وأشاع عموميات مثل الإسراع في انتخاب رئيس الجمهورية، وهذا يفسر أن ختام المرحلة الأولى من حراك الخماسية أظهر استمرار التعقيدات، ما قد يدفع هذه اللجنة إلى التريث قبل أي عملية أخرى، على أن النقاش في الخيار الثالث بعيدا عن مرشحي قوى المعارضة والممانعة لم يُسحب من التداول الجدي وتبقى مسألة القواسم المشتركة بشأن هوية هذا الخيار غير متوفرة، فبالنسبة إلى حزب الله لا خيار رئاسيا الان ولاحقا سوى رئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية.
وتؤكد المصادر في هذا السياق أن النائب السابق فرنجية عبر بوضوح عن استمرار خوضه السباق الرئاسي وجاء توقيت تحركه في اتجاه بكركي متزامنا مع جولة اللجنة الخماسية على كتلة الوفاء للمقاومة، في إطار التأكيد على هذا التوجه دون إغفال شرح موقف تيار المردة من مقاطعة وثيقة بكركي وليس البطريرك الماروني مار بشارة الراعي، وموقف فرنجية حول نظرته إلى ترشحه نابع من استمرار قوى الممانعة في دعمه مع كتل أخرى سبق وأن صرحت أنها تدعمه، وهذه الرؤية ليست غائبة عن بال اللجنة في كل تفصيل، مشيرة إلى أنه لا يمكن القول أنها تمكنت من تحديد ضوابط أو نقاط معينة للسير بها، ولا يمكن القول أيضا أنها في صدد أي تراجع عن حراكها، مشددة على أن اللجنة لم تعارض الحوار كمبدأ لكنها تحض على المسار الدستوري في الاستحقاق الرئاسي، وهذا ما يتمسك به في الوقت نفسه أصحاب المبادرات الفردية.
إلى ذلك، تفيد أن أي تحالف بين التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي في بعض الملفات لن ينسحب في الملف الرئاسي أو لم يحن وقته بعد ومدخله هو سحب ترشيح فرنجية للرئاسة، علما ان رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أبدى ترحيبه بالحوار أو التشاور برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري، ملاحظة أن ما يسمعه سفراء اللجنة من الرئيس بري يعد مؤشرا لما قد يستجد سواء على صعيد تزخبم النشاط المقبل أو منحه فرصة ما يضع المشهد السياسي ولاسيما الرئاسي مجددا في مهب المراوحة.
لم تحن ساعة الصفر الرئاسية ولن تحين قبل سلسلة تطورات يتطلب حصولها بالفعل في المشهد الإقليمي، وهذه التطورات لا تبدو قريبة، ما يعني ترحيلاً آخر للملف الرئاسي، وترحيل انتظام المؤسسات.