جولة السفراء: توافق خارجي على استبعاد أي مرشح يذوب في حزب الله
عاد جزئيا الحراك الرئاسي مع استئناف سفراء المجموعة الخماسية المعنية بلبنان لقاءاتهم واجتماعاتهمس التي انتهت كما بدأت بمجموعة من العنوميات، فيما سعى السفراء إلى دفع القيادات التي التقونها إلى تفضيل أو ترجيح إسم أو تزكية لائحة أسماء يمكن أن يخرج منها الإسم المشترك. لكن حصيلة المشاورات لا توحي بقرب الانفراج الرئاسي ربما لدواعي ربط المسألة الرئاسية بالأزمات المحيطة، من غزّة إلى باب المندب.
لذا لا يحجب هذا الحراك المستعاد استمرار الإقفال الرئاسي الناتج من عدم توفر الظروف الملائمة لتحقيق الاختراق المطلوب، وخصوصا مع إصرار حزب الله على التمنّع عن أي قرار داخلي طالما الحرب في غزة وحرب المشاغلة في الجنوب، لئلا تُفهم أي خطوة له تنازلا أمام الضغط الداخلي والخارجي، وهو بمعظمه يرى وجوب فصل لبنان عن النزاعات المحيطة به والانصراف بلا إبطاء إلى انتخاب الرئيس الضائع وتشكيل فريق عمله الحكومي وإطلاق مسار التعافي والنهوض مع ما يتطلب من إصلاحات لا تزال المنظومة تعاندها وتتمنع عن تحقيقها.
ويفترض أن يلتقي السفراء الخمسة في ختام المرحلة الثانية من حراكهم، كلا من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، لجوجلة الأفكار والخلاصات التي انتهوا إليها في اجتماعاتهم هذا الأسبوع.
وكان واضحا انحسار فرص الاختراق بفعل إصرار الثنائي الشيعي على رئيس تيار المردة سليمان فرنجية مرشحا وحيدا، وعلى التقاط أي فرصة بغية ملء الوقت الضائع لا غير، تماما كما حصل مع مبادرة تكتل الاعتدال الوطني التي تبيّن أنها ثمرة بنات أفكار رئيس مجلس النواب نبيه بري. وظهر أن الغاية الرئيسة من الأفكار التي طرحها الاعتدال تقطيع الوقت الضائع بنوع من أنواع دينامية الإلهاء. وهي على ما يبدو انتهت صلاحياتها مع تفاقم التطورات العسكرية الحدودية واشتداد حرب المشاغلة، ومن ثم الانشغال بالتصعيد الإيراني – الإسرائيلي.
وأمكن على هامش هذه الجولة تسقّط مجموعة انطباعات، منها:
١-تداركُ سفراء المجموعة الخماسية أي استعار للتنافس البينيّ على الريادة والقيادة، عبر توزيع ممنهج للأدوار والمنابر، بحيث يتصدّر واحد من الخمسة كل مرحلة من مراحل تحركهم.
٢-غيابُ المساحات المشتركة ما خلا الإصرار على أن المدخل إلى بدء فكفكة الأزمة اللبنانية يكمن في انتختب الرئيس وبدء الإصلاحات. وهذا مطلب عام دون تحقيقه تباين الكتل الناخبة والمؤثرة وغياب الضغط الخارجي الحقيقي عليها، إلى جانب أن ثمة لبعض العواصم مصلحة ذاتية ملحة لابقاء حبل السرّة حيّاً بين المسألة اللبنانية وتعقيدات الخارج.
٣-ابتعاد السفراء في العلن عن الدخول في أسماء المرشحين، فيما صار ثابتا أن أكثر من سفارة عمدت الى طلب لائحة إسمية بالمرشّحين القادرين على تحقيق الحد الأدنى من الوفاق، مع استبعاد لا لبس فيه لأي مرشح يذوب في حزب الله. وهذا ما بدا واضحا في ما آل إليه ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي بات يفتقد الدعم والغطاء المسيحي وتغطية الخارج. ولا بدّ أنه قرأ بإمعان تغيّب السفير السعودي وليد البخاري عن لقائه السفراء، ليحل في أقل من ٢٤ ساعة ضيفا عزيزا على رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل.
في المعطيات الثابتة أن واشنطن باتت أكثر انخراطا في الحل اللبناني. وتتحدث السفيرة ليزا جونسون بوضوح عن وجوب إنهاء الأزمة الرئاسية، مع انتقاد لاذع وصريح للمسار الراهن الذي يتّبعه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. ولم يعد خافيا التدخل العربي والأميركي الصارم لإخماد تبعات مأساة المسؤول القواتي باسكال سليمان، خصوصا بعد ما تناهى ان القيادة القواتية من أفكار وخطط للانخراط في صدام داخلي حاسم على مستوى قيادة المسيحيين وعلى مستوى إعادة تشكيل النظام وفقا لرؤى فدرالية – اتحادية وأخرى إنفصالية، تعدها الرياض على سبيل المثال انقلابا كاملا على اتفاق الطائف وخلطا للتوازنات.
وتزيد أزمة النازحين ونوائبها العبء على المسؤولين، فيما باتت تشكّل هاجسا ضاغطا على الأوروبيين على وجه التحديد. فالتحرك الذي يقوده الرئيس القبرصي ليس مبادرة شخصية بقدر ما هو رجع صدى للخوف الأوروبي من انهيار الحاضنة اللبنانية للنازحين، بما يؤدي إلى إغراق القارة العجوز بالألوف المؤلفة منهم. إذ باتت أكثر من عاصمة أوروبية على بيّنة من المخاطر المترتبة عن إبقائهم في لبنان او إجبار المسؤولين جبراً على استيعاب النازحين والتمهيد لدمجهم، فيما المؤسسات تتداعى وكذلك البنى التحتية.