يُراوح الملفّ الرئاسي مكانه رغم كل الحراك القائم. وتدخل العوامل الداخلية والخارجية لاندفاعة ما، لكنّ كل شيء متوقف، ولا بصيص أمل في القريب العاجل. ويهدر مجلس النواب المزيد من الوقت، فيما تبقى الجمهورية بلا رأس، والبلاد تسير وفق مزاج حكومة تصريف الأعمال، وكل الاستحقاقات مؤجّلة إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية.
يتقدّم خيار الاسم الثالث على ما عداه من خيارات أخرى. ويبقى اقتناع «حزب الله» وحركة «أمل» بهذا الخيار، لأنّ الظروف الحالية مغايرة لظروف معركة 2016 الرئاسية. ويحاول «حزب الله» البناء على المشهد الإقليمي من أجل توفير فرص مؤاتية له ولنجاح معركته الرئاسية.
وخلافاً لما يفكّر البعض في أنّ رئاسة الجمهورية وبقية الاستحقاقات الداخلية لا تدخل حالياً في صلب اهتمامات «حزب الله» لأنه ينشغل في المعركة الكبرى في المنطقة، تحتل الرئاسة وتركيبة الحكم أولوية لدى «الحزب»، ولو لم يكن هذا الأمر صحيحاً لكانت جرت الانتخابات الرئاسية وفاز من يملك العدد الأكبر من الأصوات.
وتحتلّ الرئاسة حالياً حيّزاً كبيراً في قاموس «حزب الله»، وتؤكد أوساط شاركت في الاتصالات الأخيرة أنّ «الحزب» مهتم ويسأل عن أدقّ التفاصيل ويناقش كل المبادرات، وبتكوينه يفصل الجناح العسكري عن الجناح السياسي، ولا يعلم أي جناح ما يفعله الآخر، لكن القيادة تعلم بتأثير الميدان على الوضعية السياسية، وذلك بسبب اعتبار «حزب الله» نفسه من ضمن قوة إقليمية عاصمتها طهران تمرّ باليمن والعراق وسوريا وفلسطين لتصل إلى لبنان، وبالتالي أي تطوّر على الأرض سيؤثّر في وضعية التفاوض السياسي… من لبنان إلى طهران.
ويُعتبر «حزب الله» براغماتياً بالسياسة، وعلى الرغم من تنصّل باريس من تبنّي مرشحه رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية، إلّا أنّ خيط الاتصالات بين باريس وحارة حريك لم ينقطع، والحوارات مستمرة، تارةً عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي وطوراً عبر قنوات خاصة. ووصلت باريس إلى استنتاج ولو متأخرة، وهو أنّ «حزب الله»، ومن خلفه إيران، لن يقدّما تنازلات للفرنسيين، بل الصفقة الكبرى تتمّ مع واشنطن، لذلك تحاول باريس انتزاع غطاء من واشنطن في كل خطوة أو مبادرة تقرّر القيام بها تجاه لبنان والمنطقة.
إذاً، يعطي «حزب الله» الإستحقاق الرئاسي أهمية قصوى بالتزامن مع عودة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، وذلك لأسباب عدّة أبرزها يتعلّق بالواقع الداخلي وأخرى تتعلّق بالوضع الإقليمي وما يدور في ساحات المنطقة. وفي ما خصّ الواقع الداخلي، يريد «حزب الله» انتخاب رئيس لا يقع في الحضن الغربي، ويطمح إلى تكرار تجربة الرئيسين ميشال عون وإميل لحود، وهو يحاول قدر الإمكان الوصول إلى رئيس قريب منهما، فالرجلان أعطيا «الحزب» الكثير وأمّنا له غطاء الشرعية. ويعرف «حزب الله» أنّ رئيس الجمهورية ولو لم يكن يُدير سياسة لبنان الداخلية والخارجية وحده، إلا أنّه يؤثّر في صورة الدولة والرأي الخارجي، فعلى سبيل المثال، لو انتخب رئيس من المحور الآخر وطالب بنزع سلاح «حزب الله»، حتى لو لم يملك الرئيس إمكانات لتطبيق قرار كهذا، إلّا أنّ هذا الأمر سيحرّك تفاعلاً داخلياً وخارجياً معه، وسيؤثّر سلباً في صورة «الحزب» وينزع الغطاء عنه بالكامل حتى لو استطاع «الحزب» فرط أي حكومة.
ومن جهة ثانية، يُعتبر الرئيس أساسياً في تأليف أي حكومة، وبالتالي نظرية عدم امتلاكه صلاحيات غير صحيحة، وقد يقف الرئيس في وجه أي محاولة لـ»الحزب» لاستكمال وضع يده على السلطة.
هذا جزء من تأثير الرئيس على مجرى الأمور في الداخل، أما خارجياً، فيرتبط «حزب الله» بمحور الممانعة، وبما أنّ الدول الخمس دخلت على خطّ الرئاسة، سيحاول «الحزب» ومن خلفه طهران، استغلال الرئاسة في التفاوض الإقليمي القائم، وبالتالي الرئاسة أكثر من مهمة لـ»الحزب» وطهران والمحور بأكمله، وستبقى في دائرة الابتزاز حتى لو دفع لبنان الثمن الأغلى، وهذا التشدّد سيسمعه لودريان ولو بطريقة غير مباشرة حسب مصادر مطلعة على ما يدور في الكواليس وعلمها بعدم قدرة باريس على انتزاع أي ضمانات أو تنازلات رئاسية من طهران.