IMLebanon

الرئاسة عودٌ على بدء

 

وكأننا البارحة وكأننا نعيش الـ 31 أكتوبر 2022 تاريخ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، فاللبنانيون لم يتعلموا شيئاً إلّا إضاعة الوقت وإضاعة الفرص، همّهم تعطيل المبادرات وتسفيه العمل السياسي الداخلي والخارجي في آن معاً، وكأنهم يعيشون أزمة سياسية لا تتعلق بهم ولا ببلدهم وهي لا تشلّ البلد فحسب بل إنها تركت انعكاساتها السلبية والقاتلة على الشارع اللبناني وعلى المواطن اللبناني، أكثر من سنة وسبعة أشهر مرّت على الفراغ الرئاسي والناس ما زالت تحلم بانتهاء الكابوس وانتخاب رئيس جديد للبلاد، علَّ الأحلام تتحقق، علماً أن زمن العجائب قد ولّى ومنذ أمد بعيد، وإن البلد بحاجة إلى عجيبة لتنقذه وتنقذ أبنائه. نعم نحن بحاجة إلى أعجوبة إذ إن حلول أهل الأرض لم تعد تنفع وأن المطلوب تدخّل العناية الإلهية، ولما لا فلبنان هو بلد الأنبياء وأرض القداسة وليس كثيراً أن تهتم السماء بنا ويرأف بنا رب السماوات.

ربّ ضارة نافعة

مع فشل المبادرات الغريبة والتدخلات الخارجية التي وللأسف الشديد لا تبغي إلّا مصلحتها ومصلحة دولها وذلك على حساب لبنان واللبنانيين، تبرز عدة مبادرات داخلية المنحى وخارجية الإيحاء، وكما يقول المثل «أهل مكة أدرى بشعابها»، واللبنانيون على علّاتهم هم أدرى من غيرهم يعرفون تماماً مكامن الخلل وأين تكمن القطبة المخفية ويعرفون طلاسم الحل على مرارتها، فالحلول وإن كانت ترضي الجميع بالجملة ولكنها لا ترضي أحداً بالمفرّق وهي كالدواء المر لا بد من اللجوء إليه طلباً للشفاء. هكذا تبدو المبادرات الداخلية وليس آخرها المبادرة الجنبلاطية التي تستنسخ المبادرات الخارجية بحيث انها تبقى في العناوين ولا تدخل بالتفاصيل، فيما الشياطين تكمن في التفاصيل وبالتالي فإن أية مبادرة لا تضع يدها على الجرح وتسمّي الأشياء بأسمائها فإنها ستبقى محكومة بالفشل أو المراوحة كي نستعمل القاموس الدبلوماسي الذي يحبه اللبنانيون، فاللبنانيون لهم قاموسهم وعباراتهم ومفرداتهم ولعل أبرزها هي «المعليشية» وهي السبيل الأنجع لتقطيع الوقت دون الدخول في الحلول.

الحوار أو التشاور

هكذا يبتدع اللبنانيون المفردات وإلّا فما هو الفرق بين «التشاور Concertation» أو «الحوارdialogue»؟ أوليست كلها تؤدي إلى التفاهم وإلّا فما معنى كل ذلك إذا كان المقصود هو عدم التفاهم، ولبنان شاء البعض أم أبى، مبني على التفاهمات وأن الدستور وُضع لبناء التفاهمات وليس لتعميق الخلافات، إذ ماذا ينفع لو احترمنا الدستور وذهبنا إلى خلافات لا يمكن حلّها أوليس المطلوب هو إيجاد التفاهمات والقواسم المشتركة ومن ثم تطبيق الدستور، فالدساتير توضع لكي تطبق ولكي تجد الحد الأدنى من النظم لإدارة الاختلافات كي لا تتحوّل إلى خلافات. وهكذا فلنذهب جميعاً إلى إدارة اختلافاتنا وليس إلى تعميق خلافاتنا، فالمساعي الداخلية هي أفضل بكثير من المبادرات الخارجية، وهكذا يستطيع كل فريق من إبداء رأيه وطرح ما يمكن طرحه، فالسياسة تبقى فن الممكن وبالتالي فإن الطروحات الهمايونية لن تجد طريقها إلى القبول، وعلينا جميعاً أن نرضى بالمبدأ القائل «إذا أردت أن تُطاع فاطلب المستطاع».

التوافق ممكن

هكذا وبالرغم من كل شيء وبالرغم من تصريحات البعض وتشويش البعض الآخر ومحاولة أصحاب النفوس الضعيفة بث الشائعات عن احتمالات الحرب وقربها، وهم آخر من يعلم، همّهم فقط توتير الأجواء، علماً ان هذه الأجواء موتّرة وأن المصطادين في الماء العكر وما أكثرهم سيحاولون دائماً السعي إلى إظهار لبنان كبلد غير آمن ونحن على أبواب صيف واعد. وهنا تندرج حادثة السفارة أياً تكن أسبابها في هذا السياق. لذا فقد آن الآوان أن يعي اللبنانيون خطورة المرحلة وأن يذهبوا للتوافق على رئيس يؤمّن الأكثرية النيابية ويرضى عنه معظم الأفرقاء. وهنالك أكثر من إسم وأكثر من مرشح وأكثر من شخصية سياسية مؤهّلة فلنذهب باتجاه التوافق ولننتهي من الفراغ القاتل.