يتواصل طرح المبادرات الرئاسية الداخلية من كتلة “الاعتدال الوطني” الى “اللقاء الديموقراطي” و “التيار الوطني الحر”، في اتجاه جميع الاطراف، لكن حراك رئيس “الوطني الحر” جبران باسيل له طعم خاص خصوصاً هذه المرة، لانه وجّه النداء الرئاسي والدعوة الى توحيد المواقف، خصوصاً المسيحية منها للتوافق على مرشح ثالث، فيما كان في السابق يطلق مواقفه وسهامه في إتجاه “القوات اللبنانية” اولاً ، ومن ثم رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ليتمدّد الهجوم نحو السراي الحكومي وقاطنه نجيب ميقاتي، وهنا حدّث ولا حرج، ومن بعدها تصيب الشظايا السياسية وبـ “المفرَق ” بعض السياسيين، وفي طليعتهم رئيس تيار”المردة ” سليمان فرنجية على خلفية رئاسية، خصوصاً منذ تبنيّ ” الثنائي” دعم ترشيحه الى الرئاسة.
الى ذلك، يبدو باسيل منذ فترة وسطياً مسالماً، يبحث عن حلول مع معظم القوى السياسية، حاملاً شعارات مطمئنة لاستمالة الجميع من ضمنها:” نريد لبنان محايداً عن النزاعات والصراعات، ملتزما الشرائع والمواثيق الدولية، ومحمياَ باتفاق كل اللبنانيين باستراتيجية دفاعية تزيد مناعته، ولا تكون على حساب أحد، ويشعر الكل انّه جزء منها ويستفيد من قوتها”، معتبراً أن “اي تفاهم لا يعتمد اولاً على مصلحة لبنان سيسقط ولن يستمر، وكل تفاهم تتوازن فيه الأطراف وتتشارك بمفهوم اعلاء مصلحة لبنان على مصالحها، يدوم ويصمد رغم كل الضربات”.
هذه المواقف المفاجئة التي أضاف اليها باسيل موقفه يوم الاحد الماضي، من على منبر الصرح البطريركي في بكركي، أطلقت العنان للانفتاح على مجمل المعنيين بالملف الرئاسي، لكنها تحتاج الى ضمانات من قبل البعض، خصوصاً الخصوم. لذا باشر تطميناته من بكركي بقوله انه سيتواصل مع الجميع “لطرح ورقة بأفكار محدّدة، اذا التزمنا بها تكون لدينا فرصة جدية لجلسات انتخاب فعلية، والتنافس الديموقراطي يبقى افضل من الفراغ، والجهد الذي يقوم فيه هدفه التفاهم على رئيس توافقي بناء على شرطين، بناء الدولة وحماية لبنان”، موجّهاً دعوة جديدة الى القوى المسيحية لتوحيد موقفها، الامر الذي دفع بمصدر نيابي معارض للقول: “باسيل يروّج لمرشح ثالث لن يعلن إسمه، بل سيبقى ضمن التأويلات لا أكثر، من هنا ندعوه الى إثبات حسن مبادرته وتطبيق إنفتاحه وشعار وحدة المسيحيين، بدعم مرشح مقبول من الاحزاب المسيحية، وبتخطيّ رواسب خلافات الماضي الاليم، والابتعاد نهائياً عن نبش القبور، وتوحيد الرؤية والخروج من الخلافات اليومية، مع الامل في أن تساهم البطريركية المارونية بهذه المهمة الصعبة، التي سيحملها البطريرك الماروني بشارة الراعي من جديد، وبالتأكيد سيّدنا البطريرك لم ولن ييأس بعد من تحقيق هذه المهمة، لتأمين مناخ داخلي يتيح تأمين التوافق بقوة، لان الخلافات لها بُعد خطر داخل البيت المسيحي”.
رئيس “الوطني الحر” الذي تابع جولته فزار عين التينة أمس الاول، حيث بحث مع رئيس المجلس النيابي التشريعات الضرورية، إعتبر أنه “لا يمكن النجاح بإنتخاب رئيس الا بالتفاهم، ومن هنا فكرة التشاور والحوار للوصول الى رئيس توافقي”، كما ردّ باسيل على” زكزكة” سليمان فرنجية الذي قال :” اذا اردنا ان نسير بمنطق “التيار” يجب على باسيل ان يرشح سمير جعجع”. فأتى جواب باسيل :”بدكن يعرف يحسب صحّ ويعرف مين الأول، كنا بواحد ما بيعرف يعدّ صرنا بتنين”، الامر الذي أزعج “الثنائي الشيعي” الداعم رئاسياً لرئيس” المردة “، فيما يشاركه من التقاهم ضمن حراكه الرئاسي، اي رئيس “اللقاء الدموقراطي” تيمور جنبلاط ، والعدد الاكبر من النواب المعارضين.
وهنا يمكن القول انّ المصيبة جمعتهم من دون ان توحدّهم، لانّ التباين السياسي كبير، وهذا ما بدا بوضوح خلال لقاء باسيلمع بعض نواب المعارضة على مدى ساعتين، فأبلغوه رفضهم لأي حوار يترأسه برّي، وافيد بأنّ اللقاء لم يكن مريحاً، وجرى اتفاق على عدم التصريح من قبل الحاضرين، كما حاول باسيل إظهار نفسه مرتاحاً، لكن الحقيقة جاءت مغايرة وفق ما نقل احد الحاضرين، ومن ثم صدر بيان عن اللقاء اكد بأنّ نواب المعارضة يجدّدون انفتاحهم، بعيداً عن أي تكريس لأعراف جديدة تخالف الدستور، خصوصاً لجهة فرض مرشح، مع ضرورة ان يقتنع الفريق الآخر بفتح ابواب المجلس النيابي امام جلسة انتخاب مفتوحة لرئيس الجمهورية، وبالتزام الحضور من الكتل كافة تطبيقاً للمادة 74 من الدستور.
في السياق، إلتقى المجتمعون ضمناً على رفض فرنجية، ولم يصلوا الى اي بصيص أمل بحل للملف الرئاسي، فيما يسعى باسيل لوصول مرشح وسطي بموافقة بكركي، مع جهود صعبة التحقيق لنيل رضى الفريق المسيحي المعارض، لكن تبقى الثقة بباسيل غائبة وفق المعارضين له، لانّ ميزانه السياسي لا يحمل الوسطية ضمناً، بل الكثير من الخبابا التي لم تعد تنفع وتصيب.