انتظار للانتخابات الأميركية وعودة ترامب..
في لقائهما الأخير بادر رئيس كتلة “اللقاء الديموقراطي” النائب تيمور جنبلاط رئيس الهيئة التنفيذية في “القوات اللبنانية” سمير جعجع، ببحث صريح بمرشحين لرئاسة الجمهورية، فما كان من الأخير سوى الطلب منه عدم البحث معه بأية أسماء.
إذا كان من مغزى لهذه الإجابة فهو المدى الذي وصل إليه جعجع في معركته كما في تعاطيه مع أخصامه بعد أن باءت معظم خياراته الماضية إلى الإخفاق.. لكنه، في المقابل، وحسب أحد المتابعين الكبار لمواقف جعجع، بات، بحكم الهجمات المتكررة عليه من قبل من يدور في فلك “الثنائي”، “حزب الله” وحركة “أمل”، وأحيانا مباشرة، الزعيم المُكلل للمسيحيين، وإذا استمر الحال على ما هو عليه من هجمات ودفاع في المقابل عن “الحقوق”، فإن جعجع سيبتعد على رأس الزعامة مُجتذباً نبض الشارع المسيحي الساخط على كل شيء في لبنان بعد أن فقد كل شيء. وجعجع بذلك يبدو سعيدا بحال المراوحة الحاصل في الوقت الذي يصوَّر فيه المدافع الأشرس عن طائفته في عد تصاعدي منذ أحداث عين الرمانة التي توج فيها جعجع قائدا مسيحيا مغوارا في وجه الثنائي.
لذا فإن التصدي لـ”حزب الله” هو المعيار بالنسبة إلى الشارع المسيحي. مع الإشارة هنا إلى ان رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل تمكن أخيرا من ردم بعض من الهوة الشعبية مع القوات فقط عبر مواقفه المخاصمة لـ”حزب الله” وبعد خروجه من التفاهم معه إعتراضا على “تخلي” الحزب عن التيار، وآخر تلك المواقف معارضته لمعركة الجنوب ولوحدة الساحات، بينما يجهد أخصامه لاقتناص فرصة عدم قطعه مع الحزب ودفاعه المستمر عن سلاح المقاومة واتهامه باللجوء إلى تفاهمات مستترة معه.
جعجع بين “السابقة” وحظوظ عون
من الواضح أن الشارع المسيحي ينحو في اتجاه اليمين والتطرف، ولعل في ذلك تبريره إذا ما راجعنا التاريخ المسيحي منذ خسارة الحرب في العام 1990 وصولا إلى التهميش الذي يعيشه المسيحيون اليوم بلا امتلاك للقرار، ليس في مصير الكيان فقط، بل في مصيرهم أنفسهم.
وفي الوقت الذي يحل “التيار الوطني الحر” في الوسط بين المعارضة و”الثنائي”، أو هو يريد ذلك، يتقصد جعجع الراديكالية في الموقف حتى يوسم بالرفضية وبذلك يعزز صدارته في الشارع المسيحي، وليس رفض الحوار أو التشاور في سبيل رئيس للجمهورية سوى المثال الساطع على ذلك.
يردد البعض بأن جوهر موقف جعجع برفض الحوار وعدم بحث أي إسم آخر للرئاسة غير المرشح التقليدي منذ أكثر من عام وهو جهاد أزعور، مرده إلى العجز عن فرض الإسم الذي يريده، ولذلك فهو يرفض تلاوة أي إسم قد يُحرق، بينما ليس صحيحا أنه لا يريد تسجيل سابقة حوارية قبيل التوافق على رئيس.
يعلم القواتيون أن التفاهم على الرئاسة مفتاح الحل، وهم بتأييد مرشحهم غير المعلن قائد الجيش جوزف عون، واثقون من إمتلاكهم ورقة هامة لكن ليست مضمونة، لذلك يرفضون أي حوار يؤدي إلى تفاهم الخصمين اللدودين باسيل والرئيس نبيه بري وطبعا “حزب الله”، ويتهمون باسيل بالسعي الى تفاهمات بين الأروقة المغلقة حول إسم الرئيس بعد تخطي عقبة ترشيح رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية والخلاص منه.
يُسر جعجع لملتقيه بأن معركته مع “حزب الله” هي “في السياسة” فقط، وفي حال كان ذلك صادقا أم لا، فإنه تعلم من أخطائه ولن يذهب بالمعركة مع الحزب نحو الصدام، لكن ما يجدر بنا التوقف عنده أن المعارضة ككل في معركتها مع “حزب الله” ليست في وارد طي الصفحة حتى لو تم التوافق على رئاسة الجمهورية.
والمعارضة حققت بعض الإنجازات نتيجة ثبات مواقفها ووحدتها، والأهم هنا كان الإستمرار في منع وصول فرنجية بالتكافل والتضامن مع “التيار الوطني الحر” وآخرين رافضين لفرنجية، طبعا مع التحصن بمواقف إقليمية ودولية داعمة. والمعارضة في شكل عام غير مستعجلة للحل وتريد شراء الوقت حتى ما بعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية أملا بوصول المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب الذي سيكون أقسى على “المحور الإيراني” من الرئيس الديموقراطي الحالي جو بايدن.
يشير هؤلاء إلى أن هذا حال المحور الإقليمي المؤيد للمعارضة (باستثناء قطر) في رفض الحل الآن. وإذا وصل ترامب فإن هذا سيوفر دفعا للمعارضة التي تخوض “معركة كيان” وليس فقط رئاسة جمهورية وتريد الذهاب في المعركة “السلمية” حتى النهاية لتدجين “حزب الله” على مراحل زمنية وصولا إلى هدفها المطلق بنزع سلاحه.
المبادرات غير مُجدية
والواقع اليوم أن لا أفق لحل الأزمة الرئاسية، وكل المبادرات “الحوارية” هي لإثبات الوجود ومنها مبادرة باسيل نفسه رغم الخرق الذي تحقق فيها، وسيستمر رفض “القوات اللبنانية” للمشاركة في الحوار والعمل على تثبيت موقع المعارضة التي تعيش بدورها اليوم إرباكات وخلافات شخصية بين بعض أركانها وتنافسا على الزعامة وخلاف حول الحوار نفسه.
ستكون الدعوة إلى الحوار أو المشاورات صعبة بلا حزب القوات الذي يمثل عماد الموقف في المعارضة، لكن منتقدي القوات في هذا الموضوع وهم من معارضي فرنجية، يعتقدون أنه حتى في حال خداع الثنائي للمعارضة، فإن من المفيد إظهارهم على هذه الشاكلة أمام الخارج والداخل عبر تحديد مسؤوليات من يُفشل الإنتخابات الرئاسية. ثم أنه بعد الحصول من بري على الضمانات لم يعد من مبرر للرفض المطلق للتحاور طالما أن انتخاب الرئيس سيكون التالي عبر دورات متتالية.
لذا تتقاطع نظرة منتقدي القوات مع كثيرين بأن رفض الحوار له أسبابه الإقليمية والمصلحية. لكن في كل الأحوال تبدو الأزمة القائمة أعمق من الرئاسة، وتتعلق بمسألة التعايش بين مكونات الكيان ما يهدد بتقسيم
فعليّ، ليس بالضرورة الرسمي، وإذا لم يتم الجلوس على طاولة حوار بعد استقرار المعركة الرئاسية لبحث القضايا الجوهرية ومنها الدستورية لطمأنة المسيحيين كما لطمأنة غيرهم وأهمهم “حزب الله”، فلا أمل بنهوض هذا الكيان الذي يمر في أسوأ أزمة اقتصادية وإجتماعية منذ نشوئه.