زيارة أمين سر الفاتيكان لم تحدث في جدار الأزمة أي ثقب ولو بمقدار «رأس إبرة»
يبدو ان الاستحقاق الرئاسي تراجع الى الدرجة الأخيرة من سلّم الأولويات الداخلية والخارجية، في خضم التطورات المتعبة في أكثر من مكان في المنطق، حتى ان غالبية اللبنانيين نسوا ان هناك فراغا رئاسيا يستوطن كرسي الرئاسة في قصر بعبدا منذ عام وعدة أشهر، حتى ان البعض منهم بات لا يرى ان وجود رئيس من عدمه يمكن أن يغيّر من واقع الأمور أي شيء.
على مستوى الحركة السياسية في ما خص انتخاب رئيس متوقفة عن العمل، حيث الأفق ما زال مقفلا بفعل عدم مبارحة أي فريق سياسي المربع الأول الذي وضع نفسه فيه منذ ان بدأت الأزمة الرئاسية، وارتطام كل المبادرات الداخلية بجدار عالٍ من التصلّب في الآراء، وبالتالي لا يوجد في ظل رفض الحوار أي معطى يمكن التعويل عليه بإمكانية أن يأتي رئيس صناعة لبنانية.
على مستوى اللجنة «الخماسة» «لا حس ولا خبر» عن هذه اللجنة المجمّد عملها منذ عدة أسابيع، حيث لا يرصد أي تواصل جماعي أو إفرادي لأعضائها مع الكتل السياسية، بعد أن انتهت الجولات المكوكية التي قاموا بها على المسؤولين الى قناعة تامة بأن الحوار هو الطريق الأنسب لإيصال رئيس الى قصر بعبدا، وهو ما زال يرفضه حزب الكتائب والقوات اللبنانية بحجة ان انتخاب رئيس لا يحتاج الى حوار بل الى تحديد جلسة انتخاب، وفي حال حصل قبول بهذا الحوار فانهما يرفضان أن يكون برئاسة الرئيس نبيه بري.
أما في ما خص حركة الموفدين فانها الى الآن من دون بركة، وهي لم تسمن ولم تُغني من جوع، فآخر هذه الحركة كانت لأمين سر الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، بالتزامن مع زيارة قام بها الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي، فالأول جاء ليقول بأن المسيحيين ليسوا وحدهم مسؤولين عن تعطيل الانتخابات الرئاسية وغمز من قناة رئيس المجلس عندما قال من عين التينة: «نعم هناك أبعاد داخلية للأزمة وكذلك أبعاد خارجية، لكن الحل يبدأ من هنا وفي لبنان»، وهو لم يحمل في جيبه أي مبادرة تعكس رؤية معينة للفاتيكان المطّلع عن كثب على خفايا الأزمة الرئاسية والمشاكل السياسية في لبنان بشكل عام، وبالتالي فان زيارته بالنسبة للملف الرئاسي كانت لزوم ما لا يلزم، بدليل انها لم تحدث في جدار أزمته أي ثقب ولو بمقدار «رأس إبرة».
أما في ما خص زيارة حسام زكي فكان ظاهرها اعراب الجامعة العربية عن تضامنها في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، معرّجا في الوقت ذاته على ملف الرئاسة من باب الاستكشاف كونه لم يحمل معه أي مقترح، أما باطن الأمور فكان إيصال رسالة مفادها «ان الجامعة العربية لم تعد تصنف «حزب الله» منظمة إرهابية». وأضاف: ان هذا أتاح إمكانية التواصل معه.
لكن زكي لم يحمل معه أي مقترح رئاسي، وكان كلامه مع من التقاهم بالعموميات والاستفسار، والحث، والتنبيه الى مخاطر إبقاء لبنان من دون رأس للسلطة على كافة المستويات.
والفال السيئ الذي يرافق الاستحقاق الرئاسي بلغ الذروة الآن، حيث ان هذا الملف تراجع من حيث الاهتمام الدولي، ففرنسا التي كانت من أكثر الدول اهتماما بالملف اللبناني هي اليوم منشغلة بالنتائج المدوية للانتخابات المبكرة التي أتت لصالح اليمين المتطرف الذي يعمل للوصول الى النتائج التي وصل إليها منذ عدة سنوات، وهذا الأمر في حال فشلت «المساكنة» بين الرئيس ايمانويل ماكرون، وزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، فانه يعني ان زلزالا سياسيا سيضرب فرنسا، وبالتالي فان فرنسا ستنشغل بمشاكلها بما يؤدي الى تراجع اهتمامها بالشأن اللبناني لفترة طويلة، بما يؤدي الى خسارة لبنان لأكثر الدول الأوروبية اهتماما به ومتابعة لأوضاعه السياسية وغير السياسية.
كما ان الملف الرئاسي اللبناني ليس أفضل حال منه على المستوى الفرنسي حاليا، حيث تستعد الولايات المتحدة الأميركية للدخول الفعلي في معركة الانتخابات الرئاسية المحددة في الخريف المقبل، وبذلك فان الموضوع الرئاسي في لبنان سيكون آخر همّ الإدارة الأميركية، وان أي تعاطيا بالشأن اللبناني سيكون من بوابته الجنوبية حيث تسعى أميركا أقلّه في العلن الى تبريد هذه الجبهة والحؤول دون توسّع الحرب، وان آخر إبداعات هذه الإدارة هو محاولة آموس هوكشتاين المقايضة بين الملف الرئاسة وجبهة الجنوب، وهي محاولة كانت فاشلة بكل المعايير.