IMLebanon

ما لم يقله ميقاتي وما يفعله برّي

 

 

ما لم يقله رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن لقائه مع ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان الذي نقل عنه أنّه «طالما هناك فريق من لبنان يخطّط ويتآمر ضد السعودية في اليمن، ومصدر الخطر من لبنان، لذلك فإن ولي العهد السعودي لن يكون مستعداً للمساعدة إذا استفاد هذا الفريق من المساعدة»، هو أنّ ولي العهد سأله إذا عادت المملكة لمساعدة لبنان كما كانت تفعل منذ عقود، فهل يستطيع أن يضمن بأن هذا الفريق لن يعود فيواصل تآمره على المملكة انطلاقاً من لبنان؟ فأجابه ميقاتي بالنفي وبأنه لا يستطيع أن يضمن ذلك.

 

واقع الحال أنّ أي رئيس للجمهورية إذا انتُخب غداً، أو أي رئيس للحكومة يمكن أن يتولّى المهمة، لا يستطيع أن يضمن في حال تبوَّأ المسؤولية، أن يتوقف «حزب الله» عن سياسته العدائية ضد السعودية وضد أي دولة خليجية أخرى. فالأمر منوط بـ»حزب الله» نفسه. بل إنّ أقطاب السياسة اللبنانية واثقون من أنّ أي ضمانة بوقف استخدام رئاسة لبنان وحكومته ومؤسساته، ساحة ومنصة للسياسات العدائية للمملكة لن تأتي إلا من إيران وبقرار منها ينفّذه «الحزب». وهنا لبّ المشكلة.

 

وهذا ما بات يعرفه قادة الدول الخمسة الذين اجتمعوا في باريس في 6 شباط، بصرف النظر عن اختلافات بعضهم في النظرة إلى التسوية التي يطرحها الجانب الفرنسي، «المحروق» والمستعجل، على إنجاز ما في لبنان، بعدما باءت محاولاته السابقة منذ عام 2020 بالفشل والخيبة. وفي المقابل فإنّ أي تسوية لا تضمن سياسياً، مواكبتها ببرنامج لتقديم المساعدات، وهي في هذه الحال سعودية بالدرجة الأولى والثانية والثالثة… قبل أن تكون دولية، فهي شبه مستحيلة، إذا لم تقترن برضى المملكة عن التركيبة الحاكمة المقبلة وسياستها الخارجية.

 

من هنا يمكن فهم ترداد العواصم الدولية والعربية، المعنية بلبنان، ودبلوماسييها، عبارة «القرار في شأن الرئاسة لكم أنتم اللبنانيين»، على رغم انخراط بعضهم أحياناً في لعبة الأسماء من دون تبني أيّ منها. فأيّ من هذه العواصم التي تجمع على أنّ أي مساعدة للبنان مشروطة بالإصلاحات وبتولّي السلطة فيه الشؤون السيادية في البلد، ليس على استعداد لتحمّل مسؤولية دعم مجيء رئيس محدّد، لأن ّممارساته لاحقاً، والتركيبة التي ستتولّى الحكم معه لست سنوات مقبلة غير مضمونة. أوضح تعبير عن ذلك هو ما أبلغه الجانب الأميركي لمسؤول لبناني: «إذا سمّينا مرشحاً وأصبح رئيساً، سيقودنا هذا لاحقاً إلى أن نواكبه وأن نتّخذ قرارات معه، ونقول له ماذا عليه أن يفعل، ونتحمّل المسؤولية معه عمّا سيفعله وإذا فشل فسنتحمّل الفشل. نحن لا نريد ذلك. وعليكم كلبنانيين أن تعتادوا من الآن فصاعداً اتخاذ القرارات بأنفسكم لتتحمّلوا أنتم مسؤوليتها بدلاً من الغير».

 

يقود ذلك، في ظل امتناع المجتمع الدولي عن مساعدة لبنان للخروج من الحفرة الاقتصادية والمالية والسياسية التي هو فيها، إلى النتيجة العملية الوحيدة: على الفرقاء اللبنانيين أن يختاروا أي سياسة خارجية عليهم سلوكها للخروج من العزلة على الأصعدة كافة، بعدما صادر «حزب الله» منذ ما قبل الـ2016، قرار الدولة ووظّفه لمصلحة إيران في صراعها مع المحيط العربي.

 

بانتهاء ولاية الرئيس ميشال عون بات «حزب الله» بوكالته عن إيران مكشوفاً كصاحب السلطة الفعلية. وبات الجمهور العوني الحليف يحمّله مسؤولية إفشال العهد وولوج «جهنّم»، وصولاً إلى ما آلت إليه العلاقة بينه وبين «التيار الوطني الحر» من إسقاط لتفاهم مار مخايل، على وقع التدهور الدراماتيكي للأوضاع المعيشية للبنانيين. وبات جزء من الجمهور الشيعي الموالي لـ»الحزب» يتململ من تسخيره لبنان للصراعات التي تخوضها إيران والتي جلبت الويلات عليه. ومن يتجنّب من هذا الجمهور التبرّم من الانسياق خلف مشاريع إيران نتيجة التعبئة الدينية وتحميل أميركا وإسرائيل مسؤولية الانهيار، يلوم «الحزب» على دعمه عهد الرئيس عون والنائب جبران باسيل، لاعتقاده أنّهما أوصلا البلد إلى ما هو فيه. بات «الحزب» في ما يخص الرئيس الجديد يبحث عن سلطة تؤمن له الغطاء مجدداً، وتقبل بتحمّل المسؤولية بالنيابة عنه.

 

لأنّ اختيار اسم الرئيس المقبل صورة عن التزامه المستقبلي، يرى بعض القادة اللبنانيين أنّ الخروج من الدوّامة التي أقحم «الحزب» نفسه ومعه البلد فيها أمام طريق مسدود، بدليل جمود الاتصالات حول الرئاسة وتحوّل بعض الزعامات إلى ما يشبه المتقاعدين في منازلهم. بعض الأوساط كشف أنّ رئيس البرلمان نبيه بري أدرك الخطورة القصوى للجمود الحاصل وأبلغ حليفه «حزب الله» بأنّه لم يعد جائزاً بقاء الستاتيكو المدمّر، وبدأ تحركاً صامتاً بعيداً من الأضواء من أجل تنشيط جهود إنهاء الفراغ الرئاسي لأن الوقت صار داهماً. وقد يشمل تحرّكه التواصل مع الجانب السعودي هذه المرة، طالما أنّ إعادة تكوين السلطة يجب أن تترافق مع مناخ إقليمي يواكبها، والسعودية أساسية في بلورته. لكن الأمر يتوقف على تجاوب «الحزب»، وإيران من ورائه.