من الواضح أن لبنان ليس الدولة الوحيدة في العالم التي يتنازع فيها الجميع على السلطة، وفي الوقت الذي لا يستطيع أي من الأفرقاء السياسيين فرض مرشحه على الآخرين والإتيان به رئيساً، يتبارى الجميع في ما بينهم لتسجيل التعادل السلبي وتسجيل النتيجة صفر، وكأن همّهم ليس الإتيان برئيس أي رئيس إنما تسجيل نقاط في الوقت الضائع وذلك خدمة لراعيهم او رعاتهم الإقليميين والدوليين لا فرق. فالبلد «سائر على ما يقدّر الله والكاتبو ربك بيصير» وذلك في غياب الحكماء وذوو القدرة على فرض الحلول أو تسهيلها، فالجميع داخل في اللعبة السياسية، وبدلاً من أن يشكّل رجال الدين مرجعية وطنية أصبحوا هم أنفسهم بحاجة إلى من يقوم بالوساطة في ما بينهم لإصلاح ذات البين. فالأخطاء والمواقف الحادّة أصبحت سمة المرحلة، فبتنا لا نستطيع التفريق بين رجال الوطن والدولة وبين الرعاع من أرباب الميليشيات الذين فقدوا كل قيم الدولة القادرة والمُوحدة.
العبرة مما يجري في الخارج فلنتعِظ
حدثان لافتان شهدتهما المنطقة على صعيد الممارسة الديمقراطية، الحدث الأول تمثل بانتخاب الإصلاحي مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية خلفاً للرئيس إبراهيم رئيسي الذي قتل بتحطم طائرته، وذلك بالرغم من الدعم العلني لعائلة الرئيس الراحل للمرشح المحافظ المتشدد سعيد جليلي، مما يدلّ أن الشعب يمكنه التغيير بغض النظر عن الضغوط التي قد يتعرض لها. والحدث الثاني هو الانتخابات النيابية الفرنسية والنتائج التي خرجت بها والتي أدّت إلى خسارة مدوية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد خسارته السابقة للانتخابات الأوروبية، ماكرون الذي حاول ونجح في الحد من الربح المؤكد للتجمع الوطني لليمين المتطرف Rssemblement national والتي أدّت إلى صعود تحالف اليسار إلى المرتبة الأولى. ففي الوقت التي تعتبر فيه فرنسا يمينية الهوى والممارسة، لم يتوانى الرئيس الفرنسي من مد يده لليسار ومساعدته على الربح بإعطاء التوجيهات العلنية لمؤيديه للتصويت لصالح التحالف وهو الخصم اللدود له. وكان لافتاً عدم قبول الرئيس الفرنسي لاستقالة رئيس الوزراء غابريال أتال من منصبه بعيد صدور النتائج، وهي العادة التي درجت عليها البلاد بضرورة استقالته وذلك لعدم تمتعه بالأكثرية المطلقة.
ما يصحُّ في فرنسا لما لا يصحّ عندنا؟
ما قام به الرئيس الفرنسي من استمهال رئيس وزرائه بالاستقالة، وذلك بانتظار ما قد تسفر عنه المشاورات أو الاتصالات لتشكيل أكثرية، لتمكين الرئيس من الاستمرار في الحكم والحفاظ على الأكثرية وعدم اللجوء لتسمية رئيس وزراء من المعارضة ليصار إلى المساكنة السياسية معه Cohabitation، وهذا لعمري بنظر بعض جهابذة المنظّرين الدستوريين لدينا مخالفة دستورية! فهل إن عقد الحوار بين مختلف الأفرقاء تمهيداً لتعيين رئيس الوزراء يعتبر مخالفة دستورية؟ وما يصحّ في فرنسا «أم الدستور» اللبناني إذ إن لبنان أخذ من الجمهورية الرابعة دستوره، لما لا يصحّ في لبنان؟ فبالله عليكم قليلاً من التواضع، وكما يقول المثل إن الضرورات تبيح المحظورات فكيف إذا كانت المحظورات غير محظورة في بلد الديمقراطيات والدساتير التي أعطت العالم الممارسة الديمقراطية والأصول الجمهورية.
الحوار قبل الانتخاب
لكي لا نعود إلى قصة «البيضة والدجاجة» وهل البيضة قبل أم الدجاجة، فنحن همّنا ليس البحث عن جنس الملائكة بقدر ما هو البحث عن مستقبل البلد أكان بالحوار أم بدونه، ومستقبل البلد لن يكون إلّا بانتخاب رئيس بغض النظر عن الآلية والطريقة والأسس. المطلوب منا كلبنانيين وخاصة المسيحيين الذين هم في النهاية «أم الصبي» الذهاب إلى انتخاب رئيس وليكن مسبوقاً بالحوار ولما لا.