IMLebanon

هكذا تحرّك باسيل تدرّجاً.. والتحوّل في موقف بري يُبنى عليه

 

صدمة الاغتيال تطلق مساراً رئاسياً واعداً أم مجرّد ملهاة؟

 

 

كان الأسبوع الأكثر حراجة وجسامة. اغتيال الأمين العام لحزب لله السيد حسن نصر الله ليس بعده كما قبله.

كانت الصدمة بائنة على كثر من المسؤولين. أكثرهم ربما رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومن ثمّ النائب السابق وليد جنبلاط. أمكن لمن اتصل بالرجلين مباشرة بعد الغارة الكبرى على المقر المركزي للحزب، تلمّس الصدمة وتأثيرها الشخصي والسياسي.

 

كان رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل من أوائل من استشعروا فداحة ما حصل. يقينه، ليل الجمعة، أن الاغتيال حصل على الرغم من غياب أي مؤشرات او معطيات ملموسة. بادر إلى مروحة من الاتصالات والمشاورات السياسية والحزبية.

صباح السبت، تكوّنت لديه قناعة أن لا بدّ من المبادرة وكسر تأثيرات الصدمة. اتّخذ قرار التوجّه إلى اللبنانيين على رغم تحفّظ بعض الحلقة الضيّقة. يقينه أنه لا بد من مخاطبة العقل الشيعي، وجدانه وجمهوره، في موازاة إقامة المظلة الوطنية بالتفاهم مع أضلعها السنية والشيعية والدرزية. صاغ الكلمة بميزان الذهب. كل عبارة في مكانها قنطار. قُصارى القول: لا مكان لعزل أحد أو استفراده. أعطى إشارة عودة الوزراء المقاطعين، استثنائيا إنما ليس لمرة واحدة. هو يدرك أن هذا الإستثناء قد يتكرر مرة أو أكثر، وفقا للحاجة والضرورة.

 

يوم الأحد، صعد إلى الديمان وفي يقينه أن عظة البطريرك بشارة الراعي لا يمكن إلا أن تكون في سياق التآزر الوطني المطلوب في هذه المرحلة. وهكذا كان. سمّى الراعي نصرلله شهيدا!

يوم الثلاثاء، حط عند رئيس المجلس. اللقاء بدأ وجدانيا وانتهى باتفاق على الخطوط العريضة للمرحلة، من وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 1701، إلى انتخاب الرئيس كشرط لازم. كلّها في صلب أدبيات التيار منذ 8 تشرين الأول 2023، وكلّها وردت في الورقة التي رفعها إلى عواصم القرار والدول الأعضاء في مجلس الأمن في نيسان 2024. لم يشأ مع بري الدخول في الأسماء، مع علمه أن ثمة مروحة منها، توافقية، يمكن بيُسر الاتفاق عليها مع بري. لكن الأبدى لديه تأمين التوافق قبل الإسم، لأن هذا التوافق هو الذي سيجلب إلى جلسة الانتخاب، أو الجلسات المفتوحة، نصاب الـ86 نائبا.

يوم الأربعاء، زار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في السرايا. تكرّر الحديث في الرئاسة. فكرّر لازمة أن التوافق قبل الأسماء.

يوميّ الخميس والجمعة، سلسلة لقاءات أكثرها غير معلن، ومن بين المعلن منها النائب وائل أبو فاعور موفدا من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب تيمور جنبلاط.

الاتصال بين باسيل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية سريع، وإن حكي عنه الكثير المُبالَغ، تبعه لقاء بين النائبين نقولا صحناوي وطوني فرنجية. أيضا، حُكي الكثير عن هذا الاجتماع. جلّه مغلوط، وبعضه عن سوء نية من سرَب. تناول الحديث آفاق المرحلة ومآلاتها وضرورة التوافق الرئاسي، من دون أي تطرق إلى إسم أو «رئيس من فريقنا» كمّا روّج أحد الخارجين.

في أي حال، يُفترض ما يحصل راهنا أن يتحوّل صدمة إيجابية، في ظل الحاجة القصوى إلى تحصين الداخل وإعادة المناعة إلى المؤسسات المريضة والمتهالكة. وهذا التحصين يبدأ لزاماً بانتخاب رئيس للجمهورية وإنهاء نحو سنتين من الفراغ الذي عرّض البلد لشتى أنواع المخاطر. لذا ثمة تعويل متزايد على التحرك الذي يقوم به باسيل وتحديدا مع بري. ولمس زوار رئيس المجلس تطورا في موقفه الرئاسي، ورغبة جادة في إقفال الملف الرئاسي النازف عبر التوافق على إسم إذا أمكن، أو أكثر من إسم إذا اقتضت الضرورة، يصار بعدها إلى الاقتراع عليها في المجلس النيابي في جلسات مفتوحة حتى الانتخاب.

الحراك الراهن ينطوي على عناصر رئاسية جدية، تكاد تكون حاسمة، تختلف عمّا سبقها من مبادرات ومحاولات، ومن شأنها أن تقود إلى انتخاب رئاسي قريب، توافقي لا صدامي، يجسّد الرغبة الداخلية ويلاقي التوجّه الخارجي، العربي والدولي. ويؤمل ان يتحقّق اختراق تدريجي يوصل إلى البر الرئاسي، على أن تجري مواكبته خارجية، وخصوصا عبر واشنطن وباريس والرياض والقاهرة، توصلا إلى سلة الحل المنشود، من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة الحكومة، مدخلا إلى معالجة دولية للحرب الإسرائيلية على لبنان.

لكن كل هذه المشهدية وانطباعاتها، لا تحجب حقيقة أن ثمة وجهتيّ نظر في الحراك الرئاسي الحاصل:

– أولى تعتقد أنه لا بد من توظيف الظرف الراهن والحرب الإسرائيلية من أجل انتخاب الرئيس في إطار السلة المتكاملة، ضمن مهلة أسابيع غير بعيدة لإنتاج التسوية بكل عناصرها السياسية والحكومية والإدارية، تتعاون على انضاجها عواصم القرار وتمرّ حكما بأروقة مجلس الأمن.

– وثانية ترى أن المجهود الحاصل هو نوع من أنواع الكوميديا السوداء وعلى جانب كبير من اللاجدية، ويرمي فقط إلى تعبئة الفراغ والتنصّل من المسؤولية عنه، بما يبرّي ذمة من حاولوا المبادرة رئاسيا أمام الرأي العام، والأهم أمام المسؤولين في العواصم المعنية بالقرار اللبناني. أما الحقيقة، وفق وجهة النظر المتحفّظة هذه، فتكمن في أن الحل ليس في جيب بري ولا رهن تحرك ميقاتي، بل في مكان آخر خارج مرامِهما.