الملف الرئاسي في دائرة المراوحة، والبلاد تغرق بالتعطيل، وكل فريق يتمترس بمواقفه. فالمعارضة لم تعلن مرشحا غير ميشال معوض، والثنائي الشيعي يحتفظ بورقة سليمان فرنجية مرشحه المؤكد غير المعلن بعد بانتظار نضوج ظروف هذا الترشح، فيما اجتماع باريس الخماسي لم يخلص الى نتائج لجهة حسم ترشيح فرنجية او قائد الجيش، والخلاصة وضع داخلي ينزلق نحو المزيد من الانهيار والفوضى، والخوف من الأعظم الآتي.
ما حذرت منه بكركي “وصلنا إليه”، يؤكد سياسي مسيحي،” انهيار كامل وتوقف للدولة والمؤسسات وشغور رئاسي، وسيد الصرح ليس قادرا على جمع الأقطاب المسيحيين كما النواب لإيجاد مخارج للفراغ الرئاسي، فصراع جبران باسيل وسليمان فرنجية وعدم رضوخهما لتمنيات ونصائح بكركي من جهة، فيما تتمسك “القوات” بمرشحها “السيادي”، مما يربك بكركي ويعيق قدرتها على جمع التناقضات المارونية.
فالإختلاف في المقاربات حيال الاستحقاق الرئاسي واقع بين بكركي و”التيار الوطني الحر”، فالتيار لطالما انتهج خطا سياسيا مختلفا عن القوى المسيحية، فكان الجناح المسيحي الأكثر قربا والتصاقا بحزب الله بعد انجاز “تفاهم مار مخايل”، فيما كانت بكركي على تناقض مع الخط السياسي لفريق ٨ آذار، الأمر الذي ولّد تباعدا في وجهات النظر بين الصرح والتيار في السنوات الماضية.
وهذا الواقع،وعلى الرغم من التباعد الحاصل اليوم بين التيار وحليفه الشيعي حزب الله على ضوء التوتر المستجد في العلاقة بينهما بسبب الجلسات الوزارية وموضوع انتخاب فرنجية الذي يدعمه الثنائي الشيعي ويرفضه رفضا قاطعا التيار الوطني الحر، إلا ان هذا الموقف ساهم فقط في كسر الجليد السياسي بين التيار وبكركي، لكنه لم يؤمن الالتقاء في الملف الرئاسي،وصار واضحا تلاقيهما في موضوع الجلسات الحكومية فقط، حيث تتقاطع مواقف بكركي مع حسابات التيار حيال الميثاقية والمخاوف من ان يشمل الفراغ المواقع المارونية في الدولة، وقد عبّر البطريرك الماروني بشارة الراعي عن مخاوفه من مخطط لتفريغ هذه المواقع والسيطرة عليها.
يتزايد القلق لدى المسيحيين من تراجع الدور المسيحي، فالنائب جبران باسيل “خسر” الجولات السياسية المتمثلة بعقد جلسة للحكومة، وسجل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عدة أهداف في مرمى التيار بعقد جلسات وزارية، تحت عنوان الضرورة الملحة بمشاركة وزراء حزب الله فيها، وكذلك جرى سحب عدد من الوزراء من تحت جناح باسيل.
بالمقابل، بكركي” قلقة” من إطالة الشغور الرئاسي وما يستتبعه من فراغ في حاكمية مصرف لبنان بعد فراغ رئاسة الجمهورية، إضافة الى مخاوف كبيرة من جراء انسداد الأفق السياسي وتعطل الاستحقاقات، وتجيير صلاحيات الرئاسة الأولى الى رئاسة الحكومة.
مع ذلك، لم توفق بكركي في جمع النواب والأقطاب الموارنة بسبب الصدام بين القيادات المسيحية، وتمسك كل فريق بموقفه السياسي والسعي لإلغاء الآخر، الأمر الذي انعكس سلبا وأدى الى المزيد من الشرذمات على الساحة المسيحية،ـ مما جعل بكركي تخفف اندفاعتها لعقد أي لقاء مسيحي جامع، بعد ان خرجت الأمور عن السيطرة وتفاقمت وتيرة الخلافات المسيحية.