وقف إطلاق النار يتقدم على ما عداه وسط بلبلة غير مسبوقة
تسجل في البلاد حركة داخلية مكثفة تتوزع بين ملفي وقف إطلاق النار ورئاسة الجمهورية، على اعتبار أنهما أولوية لا يمكن إلا أن يشكلا محور بحث بين القيادات السياسية في هذه الفترة بالذات، ولعل لقاء عين التينة اعطى شارة الانطلاق على الرغم مما استتبعه من ملاحظات، في حين أن الكتل النيابية تقوم بحراك يحمل هذين العنوانين، وليس خافيا على احد أن هناك اتصالات نيابية تتم لفصل ملف الرئاسة عن وقف إطلاق النار، مع العلم أن موضوع وقف إطلاق النار يشكل الأولوية بالنسبة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري.
وفي المقلب الآخر، هناك ضغط سياسي محلي وخارجي لأنجاز الاستحقاق الرئاسي لأن الظرف يتطلب ذلك والعمليات العسكرية قد تستمر لفترة طويلة ومن الصعوبة مواجهة التطورات والمفاوضات على وقف إطلاق النار من دون وجود رئيس للبلاد، ولهذا الأمر وجهتا نظر ، وجهة النظر الأولى تقول أنه من الضروري إجراء الانتخابات الرئاسية فورا وهذا الموقف تتبناه المعارضة البطريرك الماروني مار بشارة الراعي وبعض النواب المستقلين أي غالبية الكتل النيابية، في حين أن وجهة النظر الأخرى يمثلها الرئيس بري وحزب الله وبعض الأفرقاء أي رئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية والحلفاء الذين يعتبرون ان الأساس هو وقف إطلاق النار على أن يلي ذلك انتخاب رئيس الجمهورية وهذا الأمر ورد في البيان الذي صدر عن الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وعدد من الدول الأجنبية والعربية وذلك في مهلة ٢١ يوما والقيام بترتيبات لهذه الغاية.
وتفيد مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» أن هذا الفريق يخشى من أن يكون الهدف وراء الضغط الخارجي ولاسيما الأميركي والفرنسي والذي له صداه في الداخل الأتيان برئيس محدد في الاشارة إلى قائد الجيش العماد جوزف عون، وهنا تشير إلى أنه على الرغم من صدور تصريحات أميركية رسمية بشأن عدم التدخل في الملف الرئاسي بأعتباره شأنا لبنانيا فإن ثمة في الداخل من يملك معلومات تفيد بأن الدعوة إلى إتمام الانتخابات الرئاسية فورا، هدفه تمرير انتخاب العماد جوزف عون، على اعتبار أن الواقع الأمني يفرض ذلك والواقع السياسي الذي استجد بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وفريق عمله والقيادات الأساسية في الحزب جعل الحزب في واقع القبول بإجراء الانتخابات الرئاسية ولاسيما انتخاب العماد عون، لأن الحزب قبل اغتيال أمينه العام لم يكن مؤيدا لانتخاب العماد عون ولم يكن حتى حدد خيارا آخر كبديل عن خيار دعم فرنجية فهذا الفريق يخشى من أن تكون القطبة المخفية وراء الدعوة إلى انتخاب الرئيس بشكل فوري هو الإتيان بالعماد جوزف عون رئيسا، وهناك ممن يؤيد ذلك لكن في المقابل فأن البعض ممن يؤيد إجراء الانتخاب الفوري والدعوة إلى ذلك، لكن لا يعني بالضرورة تأييد العماد عون انما يتحدث عن خيار ثالث، لذلك فإن بت الأمر سيبقى معلقا بانتظار تطورين اساسيين الأول: الرد الاسرائيلي على القصف الأيراني والذي يعمل الأميركيون على أن يكون منضبطا بحيث لا يستهدف المواقع النووية أو المنشآت النفطية في إيران منعا لرد فعل ايراني واسع واندلاع الحرب.
ثانيا: الرد الإيراني على الرد الإسرائيلي في حال حصل وكان نطاقه واسعا، ما يعني أن الدعوة الفورية لأنتخاب الرئيس لن تلقى أي تجاوب واستطرادا فإن هذا الموضوع يبدو مؤجلا وإن كان الضغط المحلي والخارجي يصب في إجراء الانتخابات الرئاسية.
كما يرى المتابعون لهذا الملف أن طرح شعار الرئيس التوافقي الذي أشار إليه الرئيس نجيب ميقاتي وكذلك الرئيس بري وكثيرون، يعني أن اسم هذا الرئيس ليس جاهزا بعد واستطرادا فإن المتابعين يرون انه إذا اتخذ فرنجية قراره بالابتعاد أو الانسحاب طوعا عن السباق الرئاسي أو طلب منه سحب ترشيحه، فذلك يعني أن خيار الرئيس التوافقي لن يكون العماد جوزف عون ،لأن هناك فريقا يعتبر أن العماد عون ليس هو المرشح المناسب في هذا الظرف ، فضلا عن أن انتخابه يفرض تعديل الدستور وهذا التعديل يستحيل في ظل غياب رئيس الجمهورية، كما أنه يتطلب آلية معينة ومبادرة من الحكومة، وهذا الأمر ليس واردا في هذه المرحلة ،خصوصا أن الرئيس بري سبق وإن قال أن تجربة انتخاب الرئيس ميشال سليمان من دون تعديل الدستور، فرضتها ظروف معينة نتيجة الاتفاق الذي حصل في الدوحة وشارك فيه جميع الأطراف، وووقتها اعتبر الرئيس بري في اجتهاد ملفت أنه طالما ان جميع الأطراف وافقت على انتخاب العماد سليمان آنذاك فهذا يعني موافقتها ضمنا على تعديل الدستور، وهذه النقطة بقيت طوال عهد الرئيس سليمان موضع تشكيك لجهة عدم دستوريتها، ولكن الأمور سارت بما تسير به في عهده، ولذلك فإن الخيار الثالث هو الأسلم الذي يجب العمل عليه بعد انكفاء فرنجية في حال حصل ذلك طوعا أو طلب منه ، واستبعاد العماد عون نظرا لعدم وجود إجماع وبالتالي لن يكون رئيسا توافقيا، ونظرا للحاجة إلى تعديل الدستور وهو أمر غير ممكن في ظل غياب رئيس الجمهورية.
وفي السياق عينه، تقول المصادر المطلعة نفسها أن حديث الرئيس بري عن مرشح يضمن حصوله على ٨٦ صوتا لم يكن يقصد أن النصاب هو ٨٦ صوتا ، لأن هذا الأمر مفروغ منه ومتفق عليه ولا يستدعي البحث، بل كان يقصد حصول الرئيس العتيد على ٨٦ صوتا على الأقل، وبالتالي عندما يشير الرئيس بري الى ضرورة حصول الرئيس العتيد على ٨٦ صوتا على الأقل يعني أن كبريات الكتل النيابية والمؤثرة انتخبته ،وسيكون رئيس توافقي تاليا،لأن من أصل ١٢٨ نائبا، فإن الثلثين اي٨٦ على الأقل صوتوا له، مع العلم أنه قد يحوز على أصوات أكثر فأن هناك شبه إجماع وبغالبية الثلثين، وهذا يعني توافر اتفاق واسع عليه، ولا يكون هناك فيتو من أي فريق على اسمه أو موقف مسبق منه لجهة رفضه، أو حاجة لتعديل دستور، كاشفة أن ما من مناخ نيابي للسير به في هذا الظرف في ظل غياب رئيس الجمهورية.
وتؤكد أن وقف إطلاق النار أساسي لانتخاب رئيس الجمهورية واذا لم يتوقف إطلاق النار، فإنه من الصعوبة بمكان اقناع ٨٦ نائبا وما فوق بالحضور إلى مجلس النواب والتصويت لانتخاب الرئيس، خصوصا أن حزب الله وعلى الرغم من الصدمة الكبيرة التي أصيب بها وتفويض نائب امين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم لرئيس مجلس النواب ، لكن هذا التفويض يتحدث عن المفاوضات لوقف إطلاق النار ولا يشمل موضوع الاستحقاق الرئاسي بل هو محصور بوقف إطلاق النار.