Site icon IMLebanon

انتخاب رئيس وسلطة جديدة..؟

 

لبنان يجتاز مرحلة إختبارية دقيقة، مصيرياً وأمنياً وسياسياً، والأطراف السياسية في حالة إنعدام وزن وضياع، غارقة في خلافاتها الروتينية، ومتمسكة بمواقفها الخشبية، وتمارس أبشع أنواع الإنكار والمكابرة، للتهرب من الإعتراف بالكارثة التي حلت بالبلد، نتيجة الحرب الإسرائيلية المدمرة، والتي ضاعفت من الأزمات والتحديات التي يتخبط فيها لبنان منذ سنوات.

غياب الرؤية الوطنية، والنظرة المستقبلية، والتفكير بسبل الخروج من النفق الحالي، وسلوك طريق الإنقاذ، يُدين المنظومة السياسية بالعجز والإفلاس والفشل، وبالتالي يكرّس عدم قدرتها على تولي زمام الأمور في اليوم التالي لإنتخاب الرئيس العتيد، والذي من المفترض أن يشكل نهاية المرحلة السابقة، بكل ما حملت من إخفاقات وإضطرابات إجتماعية ومالية وإقتصادية، وبداية لمرحلة واعدة من الإصلاح والتقدم والإستقرار، وكلها عوامل نجاح إيجابية، إفتقد لها لبنان منذ أواسط السبعينات من القرن الماضي.

 

الإعتراف بهذا الواقع المتردي للطبقة السياسية الحالية، يقودنا، مع الأشقاء العرب، والأصدقاء الغربيين، إلى التفكير بضرورة الإستعانة بقدرات شابة، وبخبرات متميّزة،  وبرجال وسيدات من «خارج الصندوق»، متفوقين في مجالاتهم المهنية، وبعيدين عن البيئة السياسية الفاشلة، وما أفرزته من فساد وعجز في إدارة شؤون البلاد والعباد، ومتحررين من الولاءات الشخصية، ومن الإلتزامات الحزبية.

هذا التوجه المثالي لإنقاذ لبنان من المحنة الجديدة والأزمات المتراكمة، مهدد بخطر التطويق والإجهاض من جهتين على الأقل: الأولى خارجية ويمكن إختصارها بالعدو الإسرائيلي. والثانية داخلية وتضم كل الأطراف السياسية والحزبية المتضررة من عودة الدولة القادرة والمتماسكة، وتعزيز إمكانياتها لإستيعاب الصدمات، وإيجاد الحلول الوطنية المناسبة للأزمات والمشاكل المتفاقمة.

 

إستمرار الخروقات الإسرائيلية الحالية، وتداعياتها السلبية على تنفيذ القرار١٧٠١، لا سيما مع منع الأهالي من العودة إلى عشرات القرى الجنوبية، تهدد ليس فقط مرحلة الإنقاذ الواعدة، بل تشكل خطراً متزايداً على إنهيار وقف إطلاق النار الحالي، والعودة إلى الميدان مع إحتمالات توسع المواجهة إلى حرب شاملة في المنطقة.

أما على جبهة الداخل، فيلاحظ غياب أبسط النقاشات حول رؤية الغد، وبرنامج الأولويات الأنسب للبلد، والإصلاحات المطلوب إعتمادها سواء في القطاعات المالية والإقتصادية والإدارية، أو على مستوى معالجة ثغرات المهل الزمنية في دستور الطائف، ووضع قانون إنتخاب جديد، أكثر وطنية وأوسع تمثيلاً من القانون الحالي. ومعظم هذه النقاط تشكل تحدياً لممارسات وتوجهات الأطراف السياسية المُنهكة بخلافاتها، والمُستنزفة بخطابها السياسي المُستهلك.

العد العكسي لإنتخاب رئيس الجمهورية يوم التاسع من كانون الثاني المقبل، لأن الجلسة الإنتخابية مقررة بتوافق عربي ودولي، الخماسية ليست بعيدة عنه، بل هي في صلب العمل المستجد لإنهاء الشغور الرئاسي في لبنان، وإتخاذ كل الخطوات اللازمة لذلك، بعدما فشل اللبنانيون في تدبير أمورهم، وتنظيم خلافاتهم، والتوافق على الآلية السياسية لإتمام الإنتخابات الرئاسية.

فرصة الأربعين يوماً الفاصلة بين الإعلان عن إجراء الإنتخابات الرئاسية، وتحديد موعد الجلسة الإنتخابية في التاسع من الشهر المقبل، هي خطوة مدروسة ومتفق عليها بين أطراف اللجنة الخماسية، بهدف إتاحة المجال أمام الكتل النيابية للتواصل والتشاور، علّهم يصلون إلى التوافق على مرشح معين، أو غربلة أسماء المرشحين القادرين على خوض السباق الرئاسي.

لا نذيع سراً إذا قلنا أن الإنتخابات الرئاسية تُعتبر جزءاً من التسوية التي أفضت إلى وقف النار، في إطار حرص دول الخماسية على إنجاز هذا الإستحقاق الدستوري،على إيقاع التطورات الأخيرة، وذلك كخطوة أساسية لإعادة تكوين السلطة في لبنان، ووضع بلد الأرز على سكة الإنقاذ، والنهوض من الكبوة التي داهمت الوضع اللبناني منذ أكثر من خمس سنوات .

يمكن القول أن لبنان إلتزم بتنفيذ تعهداته في التسوية، عسكرياً حيث إلتزم حزب الله بوقف إطلاق النار رغم الخروقات الإسرائيلية، وبدأ الجيش اللبناني بالإنتشار جنوب الليطاني، رغم المعوقات الإسرائيلية. وسياسياً بالموافقة الرسمية للحكومة اللبنانية، وإعلان حزب الله، عبر خطابات الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، عن إلتزامه بوقف إطلاق النار، والعمل على تسهيل إنتخاب رئيس الجمهورية، والعمل السياسي تحت سقف الطائف، والتعاون مع الجميع للنهوض بالبلد.

إن لبنان على عتبة مرحلة إنتقالية مهمة حتى موعد الإنتخابات النيابية القادمة في أيار ٢٠٢٥، وهي فترة ليست طويلة، ولكنها تتطلب ديناميكية ناشطة لتكوين سلطة قادرة على مواجهة التحديات المعقدة، والانتقال بالبلد إلى الآفاق المنشودة من الأمن والإستقرار.