في زمنِ خلْعِ الرؤساء وتنصيب الرؤساء، أدَّتِ العدوى إلى استنفارٍ نيابي لبناني نحو الزحفٍ الرئاسي.
إذا كان هناك شعبٌ يخلع رئيساً نتيجة ارتكاباته، فإنْ راح ممثّلو الشعب يخلعون رئيساً غير موجود فقد يستحقّون الخلْع.
الرئيس نبيه بري، من أجل تأكيد المسار الإنتخابي المستقلّ، استبقَ وحْيَ المستشار الفرنسي: جان إيف لودريان، فأعلن موعداً لانتخاب الرئيس في التاسع من كانون الثاني، فيما راح مستشار الرئيس الأميركي مسعد بولس، يستأخر هذا الموعد شهرَين أو ثلاثة.
فإذا صدقت الوالدة وأنجبت الجلسة الرئاسية مولوداً في التاسع من كانون، كان المولود إبناً شرعياً، وإذا أخفقت هذه الجلسة عن الإنجاب، كان المولود العتيدُ إبنَ حرام… والمهمّ أن تصدق الوالدة لا أنْ يصدقَ الصبيّ.
أيَّ رئيسٍ تريدون؟ ولأيّ دولة؟
في المقارنة يبرز أمامنا المثل الحيّ، في شريعة دولة الغاب، تصبح الدولة سائبة، لكلِّ دولةٍ فيها دولة، وحين تبلغ شراسةُ ملكِ الغاب حدَّ الإفتراس في العرين، تتحوّل السلطة إلى حظيرةٍ مستباحة لكلّ ذوات المخالب، وتختلط الأسود بالثعالب.
في كتاب «كليلة ودمنة» «إذا نام الثعلب في عرين الأسد، فقد يستفيق ثعلباً».
الأسد، ليس إسماً وليس لَقَباً، بقدر ما كان بعض الفلاسفة والأدباء والشعراء يستخدمونه رمزاً للفروسية والشجاعة والمهابة والإقدام، وتسقط رمزية الأسد عندما يصبح صورة لحيوان مفترس تلوّث بدم الفرائس التي التهمَها.
بصورة الأسد الرمز، الأسد الفروسية والهيبة، تُستمدُّ المشابهة في الرئاسة والزعامة والقيادة والأحكام، وقديماً، إذا شاء أحدُ الملوك أنْ يترأَّس مجلساً شعبياً، كانوا يضعون إلى جانبه أسداً في قفص لاستدرار الهيبة المفقودة.
الحكم هيبةٌ، فلا تجتهدوا في التفتيش والتنقيب عن المواصفات والشهادات والإختصاصات، وحدَه الرئيس الذي يحمل شهادةً بالهيبة والوقار وصلابة الموقف، يكون الرئيس الحاكم لا الرئيس المَحكوم… رئيس الهيبة سيّد، والرئيس السيّد يحقّق هو السيادة ولا تتحوّل معه شريعة القانون إلى شريعة الغاب.
يستطيع رئيس الهيبة أن يستعين بمستشارين من مختلف الإختصاصات، ولا يمكن أنْ يستعين بمستشار يمنحُهُ الهيبـة.
تحضرني في المناسبة روايـةٌ شهيرة يَرويها الدكتور فيليب حتّي في كتابـه «تاريخ لبنان» – «ص: 500»، وهي «أنّ الأمير بشير الثاني كان يبعث في نفوس الناس هالةَ الهيبة والإحترام، وعندما كان في منفاهُ وأراد المثول أمام السلطان العثماني، أمرَ السلطان جلساءَه أنْ يظلّوا جالسين عندما يدخل احتقاراً له لأنّه خالف الأوامر السنيّة، ولكن عندما دخل الأمير عليهم وجدوا أنفسهم بدافعٍ لا شعوري واقفين هيبةً له واحتراماً…».
هذا يعني: إذا لم يكن عندنا بشيرٌ آخر، فعلى المرشح الرئاسي أنْ يتمتّع بقدْر من الهيبة، إن لم يقف له الجالسون في الديوان السلطاني، فعليه على الأقل ألّا يركع هو إجلالاً أمام السلطان.
لقد جرَّبنا رؤساء يسجدون أمام السلاطين ويخدعون الناس بالهيبة المزيّفة، ورؤساء يدّعون التشبُّه بمزايا امرأة قيصر، وما أنْ تطأ أقدامُهمْ عتبـةَ القصر حتى تبدأ ألسنةُ الأفاعي بالهمْسِ، فتنْتشي في نفوسهم وساوسُ الشيطنة الجهنّمية.
يقول، أفلاطون في «كتاب الجمهورية» عن فضيلة هيبة الحكم: «إنّ أثقل مصائب الناس أنْ يُقصى فضلاؤهم عن الأحكام».