ليس من المنطق ولا المستحب الجزم من الآن بإسم رئيس الجمهورية العتيد، الذي يحتاج إلى أكثرية الثلثين، قبل الأكثرية المطلقة، في جلسة 9 كانون الثاني 2025 المخصصة لانتخابه، فهامش المناورة أمام اللاعبين الداخليين ما زال مسموحاً إلى حين. وإن كان الاعتقاد يسود أنّه سيضيق بين الخامس والسابع منه، حيث يتقرّر مصير الجلسة انعقاداً أم تأجيلاً إن لم يكن الإتفاق قد أُنجز في حينه. وهذه هي بعض المؤشرات الدالّة.
تجزم مصادر سياسية عليمة بأدق التفاصيل المعلنة وتلك الجارية في الكواليس السياسية والديبلوماسية في شأن الاستحقاق الرئاسي، انّ من غير المنطقي الحديث في صراحة مطلقة عن أي إنجاز قد تحقق على مستوى الاستحقاق الرئاسي حتى اللحظة، وأنّ كل ما يجري ما زال في المراحل التحضيرية التي لا يمكن التوقف عندها في ظل الانشغال بالاستحقاق العسكري والأمني الناجم عن تفاهم 27 تشرين الثاني الماضي، في شأن الوضع الأمني في الجنوب، وانّ الاهتمامات ما زالت محصورة بالآلية الفضلى لترجمة التفاهمات وما قالت به المراحل اللاحقة لتنفيذ القرار 1701.
وتضيف هذه المصادر، انّ الحراك الذي قاد الخماسية العربية والدولية إلى المستنقع الرئاسي لم تقدّم ولم تؤخّر. فالهمّ ما زال قائماً حول طريقة تطبيق ما تقرّر من خطوات تُنهي الاحتلال الاسرائيلي لقرى جنوبية، وتأمين تعزيز قوات الجيش فيها ليكتمل انتشاره بالقوة الضامنة للأمن فيه، إلى جانب القوات الدولية المعززة («اليونيفيل») بعد سحب مسلحي «حزب الله» منها والمنظمات الاخرى، إن كان لها وجود إلى جانبهم في بعض الأنفاق الحدودية، إلى حدود مجرى نهر الليطاني، قبل البحث في المراحل اللاحقة التي تناولها الاتفاق على مستوى بسط سلطة المؤسسات العسكرية الشرعية على الأراضي اللبنانية كافة، ومن بينها المعابر البرية والجوية والبحرية.
وإن سُئلت هذه المصادر عن مصير الاستحقاق الرئاسي، فتؤكّد انّه بات ملحقاً بها إلى درجة لا يمكن توقع أي إنجاز ما لم تكتمل هذه الخطوات العسكرية والامنية. وهو أمر ألزم به «الثنائي الشيعي» اللبنانيين قبل الإتفاق، عندما رفض الفصل بين الاستحقاق، وهو طرح – لمن فاتته هذه المعلومات المهمّة من قبل- لقي تفهماً اميركياً قبل الحديث عن اي معطى آخر. فهم كانوا على اقتناع بأنّ ما سيحققه الاتفاق بمشاركة «الثنائي الشيعي» ممثلًا بالرئيس نبيه بري ومن خلفه ما آل اليه تفويض «حزب الله»، ضرورة ملحّة، ليس لأنّه الطرف المسلح والأقوى على الساحة اللبنانية، لا بل لأنّه لا بدّ من إلزام هذا الثنائي بأي اتفاق قبل ان ينتخب الرئيس الذي سيكون من السهل عليه تطبيق ما قال به، ومعالجة الوضع عند حصول أي إشكال مهما كان حجمه، نتيجة اتفاق لا يمكن ان يعقده لا رئيس مسيحي للجمهورية ولا رئيس سنّي للحكومة، اياً كان حجمه وموقعه في التركيبة السياسية، مخافة ان يُتهم بالخيانة إن تمّ التوصل إلى ما أحرزته الديبلوماسية الأميركية ومعها من ساندها من المجتمع الدولي.
على هذه الخلفيات، تنتظر هذه المصادر محطات مهمّة لم تتحقق بعد، قبل مقاربة أي معطى يتصل بالانتخابات الرئاسية ومصير جلسة 9 كانون الثاني المقبل. فبعض المواصفات التي تحدّد هوية الرئيس العتيد وشخصيته باتت رهناً بما يمكن ان يتحقق عسكرياً على الارض. ذلك انّ هناك كثيراً من المعطيات التي تقود إلى إعادة الاعتبار لما يقول به الدستور وصلاحيات السلطات والمؤسسات التي على اللبنانيين بناءها مجدداً على أسس جديدة تعيد القيمة الفعلية لما يُسمّى الحوكمة والحكم الرشيد، بعدما آلت إليه التطورات الاخيرة التي جرّت البلاد إلى ما لم يتوقعه احد، عدا عن تلك التي استجرّت المنطقة كاملة إلى وضع جديد صدقت معه كل التوقعات بشرق أوسط جديد عندما تحدث عنه رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو.
وتضيف هذه المصادر، انّ الجديد في ما حصل انّه جاء متاخّراً 18 عاماً تفصل بين تاريخ صدور هذا القرار واليوم. وهو ما أعاد الى الذاكرة كل ما جرى في تلك المرحلة التي تلت حرب تموز 2006 والحديث الأميركي عن هذا الشرق الجديد الذي أعاقته نهاياتها الملتبسة ومعها القرار 1701 وما حمله من تفسيرات متناقضة، أرادت من خلالها اسرائيل ان تجمّد مفاعيله من جهة و»حزب الله» من جهة أخرى. ولذلك أطلقا بعدها برامج التسلح تحضيراً للحرب الاخيرة بعد تأجيل تنفيذ ما قال به القرار من خطوات متقدّمة أُعيد فرضها في اتفاق الأمس، ومعها كل قالت به القرارات الاخرى الملحقة به، ولا سيما منها القرارات 1559 و1680 و1689 التي لم تكن لترى النور قبل الحرب الاخيرة الممتدة بمراحلها من قطاع غزة إلى لبنان وسوريا وربما امتدت إلى دول اخرى، ما لم تتدارك حكوماتها بقرارات ذاتية تمنع الوصول إلى ما وصلت اليه الحال على الساحة السورية.
لا تتوقف المصادر عند هذه المحطات الأساسية. وتضيف انّ ما أُنجز حتى اليوم على مستوى الاستحقاق الرئاسي وجهود الخماسية العربية والدولية لم يعط أي مؤشر بَعد إلى المنحى المتوقع لانتخاب الرئيس. فالمواقف على حالها ومعها المعادلات السلبية، ولن يُقدم أي طرف داخلي او خارجي على الكشف عن كل أوراقه قبل التثبت من تطبيق الاتفاق الأخير ورؤية الجنوب ينعم بهدوء يُترجم فصله عن الأزمات الاخرى في فلسطين وسوريا. فالرئيس العتيد سيمشي بخطوات واضحة مع بداية عهد أميركي جديد. ولا يجوز إلّا أن يكون متناغماً معه. فالتدخّلات العربية والسورية والإيرانية خصوصاً باتت على مسافة بعيدة عن الساحة اللبنانية، من دون ان ينغمس الطرف الآخر فيها. ولم يعد لأي منهم أي تأثير يقلب التطورات. وبات اللبنانيون إلى درجة كبيرة، متساوين في موازين القوى، بعدما فَقَد محور المقاومة اي ورقة يمكن استثمارها في الداخل كما كان قائماً من قبل. وعلى الجميع ان يعود إلى التوازنات اللبنانية عند اي اتفاق.
وبناءً على ما تقدّم، تنتهي هذه المصادر إلى انّ هامش المناورة ما زال مفتوحاً لمرحلة لا تتجاوز الخامس من كانون الثاني المقبل، فإن تُرجمت التفاهمات العسكرية في الجنوب ستفرض الرئيس المناسب لتنفيذ ما تبقّى منها، والّا في حال العكس ستبقى المراوحة قائمة ليوم او يومين لا اكثر، يتسنى خلالها لرئيس المجلس النيابي تأجيل جلسة انتخاب الرئيس ما لم يكن الاتفاق ناجزاً. وفي حال العكس سيكون امراً مفاجئاً غير محتسب من الآن.