IMLebanon

رئيس في 9 كانون الثاني: الإجماع حوله حصانة له وتثبيت لدوره الجامع؟

نقيب محرري الصحافة

في العاصمة الفرنسية استنفار يبدأ من الإليزيه مروراً بوزارة الدفاع، وصولاً إلى «الكيه دورسيه» لمواكبة الاستعدادات الجارية لعقد جلسة التاسع من كانون الثاني 2025 في ساحة النجمة ـ وسط بيروت لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، بعد انتظار دام اكثر من سنتين. وتفيد المعلومات المتقاطعة من غير مصدر خارجي وداخلي، أنّ الانتخابات ستجري في موعدها المحدّد، وأنّ قصر بعبدا سيكون جاهزاً لاستقبال آلاتي إليه في هذا التاريخ.

ويقول ديبلوماسي فرنسي، إنّ القوى السياسية اللبنانية، ولا سيما منها التي تمتلك كتلاً نيابية وازنة، تلقّت رسائل واضحة من الدول الخمس التي شكّلت لجنة من سفرائها المعتمدين في لبنان للمساعدة في إنجاز الاستحقاق، بأنّه لن يكون مقبولاً أن يُقدم اي فريق مهما كانت مبرراته وذرائعه، على تعطيل الجلسة بإفقادها النصاب القانوني والدستوري، وأنّ على الجميع ألّا يغادروا قاعة الانتخاب قبل الاقتراع لرئيس جديد تبدأ معه مرحلة سياسية جديدة مختلفة عنوانها: إعادة بناء الدولة واستعادة الثقة بها.

 

 

ويضيف الديبلوماسي الفرنسي، أنّ انتخاب الرئيس وترك ما ينبغي أن يلي ذلك من خطوات دستورية، لا يقدّم حلاً ولا يضع البلاد على السكة الصحيحة، لذلك فإنّ اتصالات موازية لتلك التي تبحث في اسم الرئيس العتيد ومواصفاته تجري على قدم وساق، للاتفاق على رئيس الحكومة الجديدة، وشكلها، والقوى التي ستتمثل فيها، وبرنامج عملها والأولويات التي ستلتزم بها. كذلك سيكون ثمة اتفاق حول الأشخاص الذين سيتولون المناصب العليا الشاغرة، والتي ستشغر قريباً: عسكرياً، أمنياً، مالياً وإدارياً وقضائياً، مما يعني وجود سلة متكاملة منطلقها الاستحقاق الرئاسي في سياق طبيعي لانتظام عمل السلطات وتشكيل هرميتها، وهو واقع لا يمكن القفز فوقه نظراً لطبيعة الأزمة الصعبة التي يرزح لبنان تحت ثقلها. والّا لا حاجة إلى كل هذا الإخراج المعقّد، لو أنّ الأوضاع طبيعية، وتسير بانسيابية تامة.

 

وتقول أوساط سياسية واسعة الاطلاع، إنّ الاستحقاق الرئاسي في لبنان هذه المرّة، وبخلاف ما هو سائد لدى بعض الأوساط، لن يأتي برئيس يسقط بـ»الباراشوت» أو يكون مفروضاً كالقضاء والقدر، بل سيكون نتاج تقاطع دولي ـ عربي ـ محلي، وسيكون للجانب اللبناني هامش واسع في اختيار المرشح الأنسب وتحديد مواصفاته، بعدما تلقّت الأطراف جميعاً من جهات دولية وعربية إيحاءً بأنّ الذي سيأتي إلى قصر بعبدا يجب أن يحظى بإجماع المكونات السياسية والطائفية في البلاد، وانّه يجب ألّا يقصى أي مكون عن عملية الاتفاق على الرئيس، أو أن يكون هدفاً لعملية عزل أو التفاف. وهذا ما كان يعنيه سفير المملكة العربية السعودية وليد البخاري في الكلام الذي نُسب اليه، وفيه «هناك ضرورة لأن ترضى جميع المكونات اللبنانية باسم الشخصية اللبنانية المرشحة للرئاسة، وخصوصاً الطائفة الشيعية. إذ لا يجوز استبعاد أحد، وذلك لضمان نجاح المرحلة المقبلة».

 

 

وترى مصادر مطلعة، أن أحداً لن يغيب عن جلسة الانتخاب في التاسع من كانون الثاني، حتى الكتل التي لن توافق على المرشح الذي يرسو عليه الخيار، فتلتزم مقاعدها وتصوّت لمن تراه مناسباً أو تمتنع عن التصويت، فتساهم في صورة غير مباشرة في تحقيق أمرين: تأمين نصاب عالٍ يضفي على جلسة الانتخاب شرعية دستورية، قانونية وشعبية، وعملية دستورية سليمة لا تفتح باب التشكيك بما حصل على صعيد الاستحقاق. وهكذا يكون معارضو انتخاب الرئيس الجديد قد أدّوا له خدمة ثمينة من خلال تغطية الانتخاب بحضورهم الجلسة وممارسة حقهم الدستوري. هذه هي الأجواء التي تسبق جلسة الانتخاب، وستكون فترة الـ 22 يوماً التي تفصل لبنان عن هذا الاستحقاق المهم حافلة بالأحداث والتطورات، وقد تُجلي صورة ما يستقر عليه المشهد الرئاسي قبل أيام من الجلسة، فيكون انعقادها لتكريس تفاهمات أُنجزت قبل التاريخ المحدّد للانتخاب، وإلاّ فإنّ الأمر سيكون متروكاً للساعات أو الدقائق الأخيرة، وما يمكن أن تحمله من تطورات. وفي استطلاع لمواقف الأفرقاء، فإنّ نسبة التفاؤل في أن يكون للبنان رئيس جديد في التاسع من كانون الثاني 2025، مرتفعة. لكن الأنظار شاخصة إلى موقفي كتلة «الجمهورية القوية» وهي الكتلة النيابية المسيحية الأكبر، وإلى تكتل «لبنان القوي» الذي يليها عدداً على رغم من انسحاب أربعة من أعضائه، في اعتبارهما من اللاعبين الرئيسيين في هذا الاستحقاق نظراً لثقلهما السياسي، النيابي والشعبي، بحيث يستحيل انتخاب رئيس من دون دعمهما، أو دعم أحدهما.

 

وتؤكّد المعلومات أنّ اجتماعات واتصالات مكثفة شجعتها بكركي وهيئات مسيحية روحية، سياسية، ومرجعيات إقتصادية واجتماعية، مع «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» بضرورة إسقاط التحفظات ضدّ أي شخصية عسكرية أو مدنية تتوافر لها أسباب النجاح والفوز، وتأمين التغطية المسيحية الواسعة لها أقله من جهة الفريقين الأساسيين، لكي يستطيع آلاتي إلى بعبدا أن يقوم بأعباء منصبه بالشراكة التامة والمتوازنة والمتكافئة مع كل من رئيسي مجلس النواب ومجلس الوزراء والحكومة، لضمان سير البلاد نحو إرساء دولة القانون والمؤسسات فعلاً لا قولاً. وكذلك من أجل أن يتمكن من رأب الصدوع الخطيرة التي نشأت وتفاقمت قبل الحرب على لبنان وخلالها وبعدها، والتي تبدو معالمها واضحة في المعارك السياسية والإعلامية التي تجاوزت المألوف وتهدّد بانتقالها إلى الشارع.