لم يفعل المشهد السوري لبنانيا سوى تأكيد ما يُرتب له داخليا من اطلاق عجلة الاستقرار والأمن وصافرة البداية لمرحلة جديدة بغطاء دولي اقليمي عربي.
والحال ان الواقع السوري الجديد سيكون راسما للمستقبل اللبناني، القريب على اقل تقدير، خاصة لناحية شخصية رئيس الجمهورية وكان اول دلالات ذلك انسحاب مرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية الذي لم تكن حظوظه في الرئاسة مرتفعة اصلا منذ اللحظات الاولى لترشيحه من قبل ثنائي “حزب الله” وحركة “أمل”.
والعمل اليوم يتركز على عدم حرق الأسماء القليلة التي ستنحصر بينها المعركة، لصالح محاولة الاتفاق بين القوى الكبرى على اسم ما لكي يأتي الرئيس بشرعية نيابية توفر له قوة في عهده.
تعكس هذا الأمر جهود “التيار الوطني الحر” على خط “القوات اللبنانية”، من دون نتائج مثمرة حتى الآن، اضافة إلى جهود الزعيم الإشتراكي وليد جنبلاط المستمر في مسعاه للتوصل إلى قواسم مشتركة ثم خارطة طريق اقله لحصر الأسماء المتنافسة. لكن يبدو ان الفجوة كبيرة بين الموقف العام للمعارضة وخاصة القوات، وموقف “حزب الله” وإلى حد كبير الرئيس نبيه بري.
وفي الوقت الذي يحاول فيه زعيم القوات سمير جعجع كسب الوقت حتى المراحل الاخيرة من السباق والجلسة في 9 كانون الثاني المقبل، فإن موقفه والمعارضة يبدو متشددا ومتسلحا بالغموض، ورافضا للمرشحَين الأكثر ارتفاعا في اسهم الترشيح لدى معسكر الثنائي وهما جورج خوري والياس البيسري.
في هذا الوقت يزداد الموقف الأميركي وضوحا لناحية تأييد ترشيح قائد الجيش جوزيف عون، وتشير اوساط ديبلوماسية إلى ان الضغط في سبيله سيزداد مع الوقت سيما وان ترشيحه يتطلب التعويض عن التعديل الدستوري المحتاج له عون كونه من موظفي الفئة الاولى، بالفوز بأكثرية الثلثين في اصوات المجلس النيابي على اقل تقدير.
والواقع ان التطورات الأخيرة وخاصة المشهد السوري، دفعت بترشيح عون إلى الصدارة في ظل منافسة قوية من خوري والبيسري والوزير السابق زياد بارود الذي يحتفظ بعلاقة جيدة مع التيار والقوات.
تشير الأوساط إلى ان الجميع يترقب اليوم الموقف العربي من البوابة السعودية، ما سينعكس على الأصوات السنية في المجلس، بل ان هؤلاء يذهبون إلى اعتبار الرياض “تمون” مباشرة او غير مباشرة على نحو 30 صوتا (أقل او اكثر) من سُنة وآخرين من دون احتساب كتلة القوات وكتلة الإشتراكي الذي لا يريد زعيمه رئيسا ضعيفا وهو لن يعارض الرغبة السعودية. لذا إذا وفرت الرياض الضوء الأخضر لعون فإن في استطاعته تأمين الشرعية المجلسية المطلوبة كما حدث مع الرئيس الأسبق ميشال سليمان الذي جاء بتوافق بين القوى الكبرى خارجيا ومحليا.
لناحية المعارضة السيادية وكتلتها المؤلفة من 31 نائبا، فإنها غير متفقة على اسم ما وحتى اسم النائب نعمت افرام، لكنها في المقابل متفقة على المواصفات، وثمة جهود قواتية لتوحيد الموقف من دون استعجال.. على ان الموقف الغالب في المعارضة هو رفض من سيكون واجهة للثنائي او لزعيم التيار جبران باسيل وسط حذر شديد من “تهريبة” لهذا الأمر في الجلسة.
ولدى المعارضة رأي في كون “حزب الله” يسعى جاهدا لإنجاز ما اليوم بعد “خسارته” الحرب وسقوط الرئيس السوري بشار الأسد، فوصول رئيس ولو ليس على قياس الحزب من دون ان يكون معاديا له، سيشكل له مكسبا.
لكن البعض في المعارضة يلفت الى ان التشدد القواتي الذي يعود إلى مكابرة بعد خيبة امل من عدم انهيار “حزب الله” مع رهان على ضرب إيران، سيعتدل في نهاية المطاف. ويشير إلى اصوات في القوات تطالب بالتعامل بواقعية والاكتفاء بمرشح مثل عون كان الحزب يرفضه سابقا، علما ان القواتيين يحتفظون بغموض لناحية ترشيح عون ربما لعدم حرق اسمه، وهم غير مستعجلين لإجراء الانتخابات في هذه اللحظة ويفضلون الانتظار لينجلي غبار المنطقة..
في كل الأحوال يشير معارضون إلى ان البوادر الكبرى للرئيس لن تتضح سوى قبل ايام قليلة من موعد التاسع من كانون الثاني مع عدم استبعاد مفاجأة اللحظة الأخيرة التي تبقى احتمالا ضئيلا.