ستدخل المنطقة بعد الاتفاق الإيراني – السعودي في مرحلة مختلفة عن مرحلة ما قبل هذا الاتفاق، عنوانها التهدئة. لذلك من المُتوقّع أن تنعكس إيجابيات اتفاق بكين على الوضع في لبنان ليُطاوله أيضاً مناخ التهدئة والاستقرار. وإذ لا يزال من المُبكر، قبل اختبار هذا الاتفاق على أرض التنفيذ، تبيان انعكاساته على الساحة اللبنانية، يُرتقب أن تتجلّى هذه الانعكاسات في الملف الرئاسي، بتسوية ترضي طرفي الاتفاق الإقليميين والأفرقاء اللبنانيين الأساسيين. وهذا يعني بحسب البعض، خلط الأوراق الرئاسية، والدخول في حوارات تُفضي إلى رئيس توافقي وسطي لا يكون مرشح «الثنائي الشيعي» ولا مرشح المعارضة. في المقابل ترى جهات أخرى، أنّ اتفاق بكين قد يُنتج تبادل أوراق ومقايضة ملفات بين طهران والرياض، فتحصل السعودية على ما تبتغيه في اليمن مقابل تعزيز النفوذ الإيراني في لبنان على سبيل المثال.
كلّ التحليلات للوضع اللبناني ومن ضمنه ملف رئاسة الجمهورية، ما بعد اتفاق بكين، تبقى في إطار الفرضيات، إلى حين بروز تبدُّل في مواقف الأفرقاء ما لم يُلمس حتى الآن. وبمعزل عن الواقع الذي قد يفرضه هذا الاتفاق، وارتباط أفرقاء في الداخل بطرفي الاتفاق، خصوصاً ارتباط «حزب الله» العضوي بإيران وانخراطه في أجندتها الإقليمية ليس في لبنان فقط بل في عدد من دول المنطقة وأهمّها اليمن، إلّا أنّ النمط الرئاسي الداخلي فاعل على الخط الرئاسي ولا يُلغيه أي اتفاق إقليمي، مع تأثير عوامل خارجية أخرى على لبنان أيضاً، ومنها التعامل الأميركي مع هذا الاتفاق. وتؤكد جهات سياسية عدة، أنّ التوافق الداخلي إذا تحقّق يُمكن أن يُنتج رئيساً بمباركة إقليمية ودولية.
وإذ تتعدّد القراءات لهذا الاتفاق لجهة ترجيحه دفّة «حزب الله» وحلفائه أو المعارضة، لا يبدو حتى اللحظة، أنّ أياً من الفريقين سيتراجع دراماتيكياً عن موقعه الرئاسي. وفي المعطيات العملية، يؤكد «الثنائي الشيعي» أنّه لا يزال متمسكاً بترشيح رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. وتقول مصادر قريبة من «حزب الله»: «لا انتقال إلى خطة ب. الاتفاق الإيراني – السعودي إيجابي وستكون نتائجه إيجابية في لبنان أيضاً»، مؤكدةً «أنّنا لم نتفاجأ بهذا الاتفاق بل من تفاجأ هو الفريق الآخر». بدورها تذكّر مصادر قريبة من حركة «أمل» بالكلمة التي ألقاها رئيس مجلس النواب نبيه بري، أخيراً، في السفارة الإيرانية في بيروت، والتي تركّز نصفها على العلاقات السعودية – الإيرانية، وورد بعض منها في اتفاق بكين. وتجزم «أنّنا لن نتراجع عن ترشيح فرنجية، بل سنذهب إلى الآخرين لكي يساعدونا في ذلك». وترى أنّ فرنجية «أقرب من غيره، ليس خطيراً ولا معادياً لأي طرف»، معتبرةً أنّ حظوظ وصول فرنجية إلى سدّة الرئاسة باتت «كُبرى»، إذ إنّ هذا الاتفاق «يبرّد القلوب».
كذلك، يُجري بري محادثات تشمل الجميع في الداخل والخارج، وعندما سيدعو إلى جلسة انتخابية فهذا يعني أنّ هذه الجلسة ستُنتج رئيساً. وتشير مصادر قريبة منه، إلى «أنّنا لم نسمع من السعودية ما يُنقل عنها، وهي لم تدخل في أسماء للرئاسة، بل تحدثت عن مواصفات، وهذه المواصفات والحدود التي تريد أن يتحرّك فيها أي فريق من الأفرقاء، أمّنها الاتفاق». وتشدّد على أنّ الحوار الداخلي الذي ينادي به بري أساس لانتخاب رئيس، موضحةً أنّ «الحوار ليس لفرض رئيس، بل ليتنازل بعضنا لبعض وبعدها يأتي الرئيس».
مقابل هذا التمسُّك الشيعي بترشيح فرنجية والتعويل على أن ينعكس الاتفاق السعودي- الإيراني لصالحه رئاسياً، للمعارضة السيادية قراءة مختلفة لهذا الاتفاق وانعكاسه لبنانياً. وتشير مصادر معارضة إلى أنّ الانقسام السياسي في لبنان بين فريقين، أحدهما يرفع تاريخياً شعار لبنان والدولة أولاً ويرفض أي تدخلات خارجية في الشؤون الداخلية، والثاني مرتبط عضوياً بطرف خارجي. وجاء الاتفاق السعودي – الإيراني ليقول باحترام سيادة الدول وعدم التدخُل في شؤونها الداخلية، وبالتالي هذا يصبّ في مصلحة الطرف الذي ينادي دائماً بعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وترى هذه الجهات المعارضة أنّ لبنان يتأثر بهذا الاتفاق بسبب ربطه بمحور خارجي، فلو لم يكن «حزب الله» يربط لبنان بإيران ونزاعاتها على مستوى المنطقة لما كان لبنان يتأثّر باتفاق أو عدمه، فتأثُّر لبنان مردّه إلى الدور الإيراني المحوري فيه عبر ذراعها «حزب الله»، تماماً كالعراق وسوريا واليمن.
كذلك تعتبر هذه الجهات المعارضة، أنّ الاتفاق الإيراني – السعودي إذا طُبّق، يعني أن لا مشاريع غلبة خارجية وأنّ الاتجاه سيكون نحو إرساء القواعد التي نصّ عليها البيان أي احترام الأعراف والمواثيق الدولية، وهذا أيضاً لصالح الفريق السيادي، فأي اتفاق يلجم التدخل في شؤون الدول يخدم سياسته الأساسية، إذ إنّ جزءاً أساسياً من أزمة لبنان هو التدخل في شؤونه، مرةً من النظام السوري وأخرى من إيران. ولا تزال المعارضة السيادية، وتحديداً مكوناتها المسيحية، تعتبر أن لا لزوم لحوار رئاسي، فمن يمنع إنجاز الانتخابات الرئاسية هو «حزب الله» وحلفاؤه، وهو الفريق المرتبط بمحاور النزاع الخارجية، وبالتالي إنّ تبدُّل العنوان الخارجي من «تسخيني» إلى «تبريدي» يُفترض أن ينعكس على مقاربة هذا الفريق للملف الرئاسي، ما يعني أنّ الانتخابات الرئاسية لا تتطلّب حوارات فـ»الطابة» في ملعب «حزب الله»، وهو سبق أن دخل في تسوية الترسيم البحري نتيجة اتفاق أميركي – إيراني.