IMLebanon

هرطوقية مفهوم رئيس “التحدي”

 

 

يروّج البعض من أنصار محور الممانعة – أو ما تبقى منهم – أن من أهم مواصفات رئيس الجمهورية القادم ألا يكون “رئيس تحدّ” أو “استفزازياً” للمقاومة. بل على من يتبوأ كرسي الرئاسة أن يحمي المقاومة، كما عبّر عن ذلك الأمين العام الراحل لـ “الحزب”: “نريد رئيساً مطمئناً لا يطعن المقاومة في الظهر”.

 

هذا الطلب بحدّ ذاته، وقبول أو سكوت بعض خصوم “حزب الله” السياسيين عنه، يمثل إهانة مستمرة لما تبقى من مفهوم السيادة في لبنان. خصوصاً بعد الحرب الأخيرة بين “حزب الله” وإسرائيل التي أدت إلى تهجير القسم الأكبر من شيعة لبنان من منازلهم وقراهم التي دُمّرت بالكامل بسبب القصف الإسرائيلي، وبسبب رهان هؤلاء المهجرين على أن “حزب الله” وإيران يملكان القدرة الردعية، ولربما الأهم الإرادة للدفاع عن لبنان وشيعته.

 

المفارقة أن “حزب الله” يطلب حماية ظهره من “السكاكين المزعومة”، في حين أنه السيد الأول في استخدام العنف والقتل ضد خصومه السياسيين، كما في قضية اغتيال رفيق الحريري ولقمان سليم، وبينهما العديد من الشهداء الذين قُتلوا على يد نظام بشار الأسد وحلفائه الإيرانيين. ومن هنا، فإن مطالبتهم برئيس “غير استفزازي” يجب أن تُخضع لتمحيص دقيق وممنهج يفضح منطقهم، ولربما الأهم أن يمنع تسرب هذا المفهوم المشوَّه إلى عقول اللبنانيين عموماً. بحسب “حزب الله”، “عدم الاستفزاز” يعني أن على رئيس الجمهورية أن يتصرف كعضو في المجلس الجهادي لـ “حزب الله” – مجلس للمفارقة قد قُتل معظم أعضائه – وأن يقبل بقيام ميليشيات ممولة من إيران بالقتال خارج حدود لبنان، كما فعل “حزب الله” في سوريا والعراق واليمن.

 

 

 

الرئيس “غير الاستفزازي” بحسب منطق “حزب الله”، يجب عليه أن يغض الطرف عن تخزين أطنان من المتفجرات في مرفأ بيروت، الذي حوّله الحاج وفيق صفا ورفاقه من “الإخوان المجاهدين” إلى وكر للتهريب والفساد. كذلك، عليه ألا يستفز الحاج وفيق في حال قرر مجدداً أن يدخل إلى مكتب أحد القضاة ليهدده، كما فعل مع القاضي طارق بيطار. كما يُتوقع منه أن يسكت إذا قامت المقاومة باغتيال أمني آخر على غرار اغتيال الشهيد وسام الحسن، “لحماية المقاومة”. الرئيس “غير الاستفزازي” بحسب شرعة “حزب الله”، هو رئيس يقبل بعزل لبنان عن بيئته العربية والمجتمع الدولي، ويحول البلاد إلى المصدر الأول لحبوب الكبتاغون لدول الخليج العربي، وذلك لتأمين أكثر من 5 مليارات دولار لتمويل “المقاومة” وحلفائها من أمثال ماهر الأسد وعصاباته.

 

 

 

بحسب قاموس الأمين العام الراحل لـ “حزب الله” وخليفته نعيم قاسم، فإن هذا الرئيس الوضيع والمرتب يُتوقع منه أن يقرأ اتفاق وقف إطلاق النار، ويؤيد تطبيق القرار 1701، وأن يعترف بأن الحرب الأخيرة لـ “حزب الله” كانت “انتصاراً مبهراً لمحور المقاومة”، وأن الدمار والقتل الناتجين عنها هما مجرد “ضريبة النجاح”. رئيس جمهورية “دولة حزب الله” البائدة هو رئيس يغض الطرف أو يبرر نقل ملايين الدولارات في حقائب سفر عبر رحلات قادمة من إيران، وهي أنشطة تدخل في صميم الجريمة المنظمة ولا تمتّ للدبلوماسية بصلة. كما يتوقع منه أن يقبل وجود جهاز “بيجر” بحوزة السفير الإيراني.

 

 

 

ربما الأهم، أن الرئيس المقبل “غير الاستفزازي” بحسب نبيه بري، يجب أن يوافق على أن تُخصص أموال إعادة الإعمار لجيوب مجلس الجنوب والشركات والمتعهدين التابعين له. ومن المعروف أن بري، بحرصه المعهود على المال العام، سيعيد “بشفافية” إعمار كل ما دمّره تحويل “حزب الله” الجنوب اللبناني والبقاع إلى مخازن للسلاح والذخيرة.

 

 

 

في الواقع، غياب العناصر الاستفزازية عن شخصية الرئيس يعني غياباً أبدياً لمفهوم الدولة، وهو استفزاز للشعب اللبناني بأسره، بمن فيهم الشيعة الذين سيبقون خارج منازلهم إلى حين انتخاب رئيس جمهورية “يستفز” المنظومة الفاسدة ويعيد الدستور إلى مكانه الطبيعي، بحيث يصبح السلاح الشرعي الوحيد تابعاً للدولة اللبنانية.

 

 

 

إن سلاح “حزب الله”، أو ما تبقى منه، سيتم نزعه بقوة القانون والاتفاق الذي استجداه “حزب الله” والرئيس بري من الأميركي، حتى لو انتُخب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، وهو انتخاب مستبعد بطبيعة الحال، تماماً كما هو مستبعد أن ينجح “حزب الله” في إقناعنا بجدوى وفعالية سلاحه وبأن سقوط الأسد هو تحدّ بسيط يمكن تجاوزه.