IMLebanon

حراك أميركي في الملف الرئاسي: أزعور وبارود وابتعاد عن قائد الجيش

 

منذ فترة غير قصيرة، يدور في أروقة قيادات بارزة في حزب الله نقاش حول طريقة عمل وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان وفريق عمله. وأضيف إلى ذلك، أخيراً، التدقيق في ما يمكن أن يذهب إليه الرجل في العلاقة الإيجابية المستجدة مع إيران، من الرياض نفسها إلى أكثر من اتجاه إقليمي، مروراً ببيروت التي لا يمكن، لطبيعتها وموازين القوى فيها، أن تقف عثرة أمام هذا التحول.

 

ويجمع المطلعون على خلاصات «تقدير الحالة» أن السعودية اقتنعت، بعد عامين من المكابرة، بعدم القدرة على حل مشكلاتها في مناطق النفوذ المتنازع عليها مع إيران قبل حل المشكلة مع إيران نفسها، لذا وافقت أخيراً على مصالحة طهران أولاً، ليسري مبدأ التفاهم على حلفاء كل من إيران والسعودية في المنطقة. وقد أكد ديبلوماسيون إيرانيون زاروا بيروت أخيراً أن الرياض هي من استعجل الصين مساعيها، وهي من طلبت الإعلان عن الاتفاق.

يأتي ذلك في ظل اطمئنان إيراني إلى أن الطموحات الاقتصادية والمالية التوسعية السعودية تتقدم على الطموحات التوسعية السياسية، وإلى أن الرياض تقارب ملفات المنطقة من منطلق الشراكة لا الاستفراد، ما يمكن أن يمثل انفراجاً كبيراً في لبنان إذا تجاوزت السعودية فعلاً مبدأ إقصاء فريق، واكتفت بفيتو على أشخاص محددين، لا على فريق سياسي كامل، مع ضمان حق حلفائها المنتخبين بالمشاركة الوازنة في السلطة.

 

وتنبغي الإشارة هنا إلى أن استحضار الديبلوماسية السعودية مبدأ «لا غالب ولا مغلوب» على مستوى رئاسة الجمهورية ثم رئاسة الحكومة ثم مجلس الوزراء نفسه، يعدّ تحولاً كبيراً، بحكم الإصرار السعودي السابق على مبدأ «ربح كل شي أو لا شيء». وفي هذا السياق، جاء إصرار السفير السعودي وليد البخاري على القوات اللبنانية أن تورد في البيان الذي أصدرته بعد زيارته لمعراب أخيراً بأن المطلوب «رئيس سيادي إصلاحي من خارج الاصطفافات»، وهو خلاف ما كانت القوات ترغب به بالإصرار على «رئيس سيادي إصلاحي» فقط. إيراد هاتين الكلمتين ليس أمراً ثانوياً، إنما تصويب مباشر على مرشح القوات اللبنانية النائب ميشال معوض وكل مرشح سياسي آخر. ويؤكد مصدر مطلع على خصوصية هذا التفصيل أن المرشح «من خارج الاصطفافات» يعني للسعودية اليوم قائد الجيش جوزف عون، لكنه يمكن أن يشمل أيضاً مرشحين آخرين، اقتصاديين لا عسكريين. وقد أكّد البخاري العائد من المملكة لكل من جعجع والنائب سامي الجميل أن «الاتفاق الإيراني السعودي جدي جداً، وسينعكس على كل من البحرين واليمن، فيما سيكون تأثيره أقل في العراق بحكم الوجود الأميركي القويّ، في ظل عدم الرغبة السعودية بالمبالغة في استفزاز الأميركيين».

 

عوكر: وجهة جديدة أم مناورة؟

من جهة أخرى، وتزامناً مع الزيارة الخالية من أي رسائل سواء في الشكل أو المضمون لمساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف لبيروت، يمكن القول إن عوكر التي تنشغل منذ سنوات بكل ما هو «غير سياسي مباشر»، استفاقت بعيد الاجتماع السعودي – الإيراني من غيبوبتها السياسية، لتكثف حركتها السياسية في أكثر من اتجاه. وتشير المداولات إلى أن الأميركيين يرسلون إشارات إلى تغييرات في تصورهم للملف الرئاسي. غير أنه لم يتم بعد التأكد مما إذا كان الأمر مجرد مناورة في وجه المحاولات الفرنسية، أم أن واشنطن قررت تعديل استراتيجيتها. وهنا تبرز ملاحظتان أساسيتان:

 

أولاً، إبداء الاستياء الشديد من مجمل المقاربة الفرنسية للملف اللبناني. إذ كان يفترض بالفرنسيين أن يستميلوا حزب الله ليأخذوا منه بالديبلوماسية ما عجز الأميركيون عن أخذه بالحرب، وإذا بالحزب يبدو كمن يستميل الفرنسيين ويحاول أن يأخذ منهم سلمياً ما عجز هو أيضاً عن أخذه بالحرب. وتلفت المصادر الأميركية إلى أن الفرنسيين فعلوا الأمر نفسه عام 2005 عندما أوقفوا كل الزخم الشعبي والسياسي والإعلامي وأطاحوا بكل التطلعات والأحلام بتخريجتهم للاتفاق الرباعي، وهو ما لا يمكن السماح بتكراره. والأكيد هنا أن الولايات المتحدة تتقاطع مع السعودية بشكل كامل عند «تحجيم الدور الفرنسي»، وقطع الطريق على ما يصفه أحد الديبلوماسيين بإعطاء الأولوية لمصالح شركة «توتال» على حساب المصالح السياسية الاستراتيجية لكل من الولايات المتحدة والسعودية.

 

ثانياً، تجاوز مبدأ المواصفات الذي تصر عليه الإدارة الأميركية في بياناتها الرسمية للدخول مباشرة في «اقتراحات الأسماء» عن طريق استمزاج الآراء. ويكرر الموظفون الأميركيون السؤال عن اسمين محددين هما مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور والوزير السابق زياد بارود، مع إضافة اسم هنا وآخر هناك، بحسب هوية مستضيفهم. وقد بدا لافتاً أخيراً تكرار السفيرة الأميركية دوروثي شيا انتقادات إلى قائد الجيش. وعلى رغم ربط الأمر بقرار شخصي، إلا أن الظاهر أن عدم حماسة الأميركيين لقائد الجيش بات يتجاوز مبدأ المناورة مع الاقتناع بأن الأفضل بقاءه في اليرزة حيث يؤدي دوراً أساسياً بالنسبة إليهم، وانتخاب أزعور أو بارود رئيساً، بما لا يحمّلهم وحدهم لاحقاً مسؤولية فشل العهد في حال تعثره. وإذا كان كل من أزعور وبارود يمثلان تقاطعاً أساسياً بين الأميركيين والبطريركية المارونية والتيار الوطني الحر والنائب السابق وليد جنبلاط وحزب الكتائب، فإن خلفية الحماسة الأميركية لأزعور اقتصادية – مالية فيما هي قانونية – دستورية بالنسبة لبارود. مع الإشارة إلى أن الرجلين باتا يتعرضان لنيران هائلة من المتضررين المباشرين من هذا «الجو» الجديد. وإذا كان التيار منفتحاً على النقاش الإيجابي بشأن أزعور وبارود من دون تسليف موقف متسرع، تتجنّب القوات اللبنانية أي تعليق علني بشأن الاثنين، لكنها أبلغت المطران أنطوان بو نجم أنها لن تسير بأزعور تحت أي ظرف.

المؤكد من مجمل هذه السياقات أن البرودة المتوقعة في ما خص الاستحقاق الرئاسي خلال شهر رمضان لم تصب هذه المرة، إذ يشهد البلد منذ أسبوع ما لم يشهده منذ انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، مع الإشارة إلى أن كل ما يحصل هو ترتيب كل فريق لأوراقه في انتظار طاولة المفاوضات التي يقول المعنيون مباشرة بالاتفاق السعودي – الإيراني إنها لا يمكن أن تنتظم قبل شهرين على الأقل.