يتحدث العائدون من واشنطن عن وجود إشارات بفرملة أميركية للمسعى الرئاسي الفرنسي. خلال زيارتهم، سمع وفد النواب الذي زار العاصمة الأميركية حديثاًَ موقفاً أميركياً مؤيداً لإنتخاب رئيس للجمهورية بجهود داخلية وليس بتدخل خارجي يمكن أن يفرض رئيساً على اللبنانيين.
لمس الوفد اللبناني الزائر أنّ الجانب الأميركي لا يتدخل مباشرة بالإستحقاق الرئاسي ولا يتحمّل فرض مرشح على اللبنانيين ليتم التعايش معه لست سنوات متتالية، لكنه نصح بضرورة إنتخاب رئيس قبل الإنزلاق إلى مخاطر جديدة لن يكون سهلاً الخروج منها.
الموقف من لبنان تحدده واشنطن بناء على الرئيس العتيد والحكومة المقبلة برئيسها وتركيبتها وإن كانت تتجنّب الإعلان عن وجود مرشح تدعمه أو تعمل لأجله، خلافاً للفرنسيين. وبذلك يتلاقى الموقف الأميركي مع الموقف السعودي الذي يكتفي بالحديث عن مواصفات أكثر من فتح بازار التسويات على اسم المرشح.
فرنسا من جهتها وإن كانت تعمل لتحسين حظوظ رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية وتتعاطعى معه كمرشح رئاسي جدي إلّا أنها لا توفر فرصة للتأكيد على أنّه ليس لديها مرشح بعينه وما يهمها وفق التقارير الديبلوماسية انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة قادرة على إقرار الإصلاحات التي يحتاجها لبنان، لكنها وفق ما يلمس الثنائي تسير قدماً بفرنجية وتتعاطعى معه كمرشح رسمي.
يستفيد الثنائي الشيعي من الموقفين ليقول إنّ فحوى ما سبق يصب في مصلحة مرشحه. لا يفوّت فرصة إلّا ويؤكد فيها المضي قدماً بدعم ترشيح حليفه رئيس «تيار المرده» وأنّه لا «خطة باء» لديه، بل هو يتمسك بترشيحه إلى أن تنضج ظروف إنتخابه إقليمياً ومحلياً. بالنسبة للثنائي لم يتبلّغ من أي جهة دولية أو إقليمية رفضها لفرنجية. السكوت حيال ترشيحه يفسره الثنائي على أنه رضى أو على أبعد تقدير ليس رفضاً بالمطلق. حتى البطريركية المارونية لم تبلغ «حزب الله» من خلال تواصلهما المستمر بموقف سلبي حياله. عندما قصد موفد بكركي «حزب الله» للوقوف على رأيه في لائحة المرشحين التي أعدتها كان جوابه أنّ ثمة مرشحاً وحيداً لدينا هو سليمان فرنجية.
ليس «حزب الله» وحده الذي رفض جملة الأسماء التي تضمنتها اللائحة باستثناء اسم فرنجية. بكركي ذاتها صارحت مقربين في الفترة الأخيرة بأنّ اللائحة إنتهى مفعولها لأنّ الأسماء الواردة فيها تمّ رفضها من الجهتين. عارض فريق الممانعة عدداً من الأسماء الواردة فيها بينما عارضت المعارضة أسماء أخرى لتكون النتيجة حرق مزيد من الأسماء وأفقاً رئاسياً مسدوداً.
في قرارة نفسه يدرك الثنائي صعوبة مشوار فرنجية باتجاه بعبدا وأنه وإن كان خياره الأول والمفضل لكن التمسك فيه قد لا يجدي نفعاً في حال استمر تكتل المسيحيين ضده، بهذا الإنطباع خرج مصدر سياسي عريق عقب جولة أفق في أوساط الثنائي ليقول: بات من الصعب عليه التمسك بمرشح لا يحظى بتوافق، وهو وإن خابت مساعيه فلن يستمر طويلاً في خياره لكنه بالمقابل لن يسمي مرشحاً بديلاً.
ويتقاطع هذا الكلام مع توقعات مصادر سياسية أخرى اعتبرت أنّه من الصعوبة بمكان الإصرار على فرنجية بينما كل السبل للإتفاق عليه مسيحياً معدومة وأنّ الثنائي بدأ يسمع أصداء مواقف مماثلة من حوله ومن ضمن بيئة حلفائه والمقربين تنصحه بضرورة البحث عن خيار آخر، ولا تستبعد أن يكون هدف زيارة وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان التمهيد لخروج «حزب الله» من دائرة الإصرار عليه والبحث عن خيار جديد وعدم المضي قدماً في ضرب العلاقة مع المسيحيين. من المبكر الجزم، ولو أنّ أوساطاً سياسية قالت إنّ عبد اللهيان سيجول على كل الافرقاء وسيحتل الملف الرئاسي حيزاً من البحث بينما سيتولى الفرنسيون إبلاغ الجواب النهائي حول ترشيح فرنجية خلال أيام.
ومحلياً يصعب تمسك «حزب الله» بمرشحه مقابل تمسك قسم من المعارضة بمرشحه، وعلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري تحديد جلسة إنتخاب قريباً ما يجعل البحث عن صيغة مقبولة لدى الجميع مسعى ضرورياً وهو ما يؤكد عليه النائب غسان سكاف الذي عاد إلى طرح مبادرة ثانية وجديدة يشرح هدفها بالقول إن الهدف «الخروج من المراوحة الرئاسية وخيار الأوراق البيضاء والبحث عن خيار جديد. طالما نحن أمام فريقي المعارضة والموالاة وفريق متردد مؤلف من نحو 30 نائباً، لتسمي المعارضة مرشحها ونكون بذلك أمام مرشحين اثنين للرئاسة ويختار المترددون مرشحهم من بين المرشحين الإثنين، وذلك يجبر كلا الفريقين على تأمين نصاب جلسة الإنتخاب والإلتزام بقواعد اللعبة الديمقراطية في البرلمان». سكاف الذي يستكمل جولته على المسؤولين ورؤساء الأحزاب يلمس تجاوباً مع اقتراحه ويأمل أن يشكل مدخلاً للخروج من المراوحة.
لكن السؤال كيف لقوى الداخل أن تتوافق على مخرج بالتوافق والعيون شاخصة اتجاه الخارج لتبني على نتائج ما تشهده المنطقة؟ الأمل معدوم لكنها محاولة في الوقت الضائع.