Site icon IMLebanon

أسئلة غامضة وسط مسارات التباعد.. فراغ مشبوه بين المخاطر الآتية من الشرق والجنوب

 

لا تبدو مسارات الاهتمامات اللبنانية متقاطعة عند نقاط واحدة، بل يكاد التباعد ان يشكل سمّة هذه المسارات، وسط أسئلة، تزداد غموضاً، مع تقدّم التدهور على الصعد كافة.

ولعلَّ من أقسى الغموض السائد هو مدى القدرة على جمع مجلس النواب، إن صحَّ أن المعارضة المسيحية بمسمياتها المتنوعة تمكنت، أو هي على طريق التفاهم على تسمية مرشح ماروني، يمكن له ان يواجه المرشح الماروني لقوى 8 آذار حيث تتصدر ادارة حزب الله، للعبة من هذا الجانب المقابل للعبة أخرى، ما يزال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع يتنطَّح لأن يكون رأس الحربة بمواجهة حزب الله، وإن بدا رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، اللاعب من وراء الظلال الباهتة، والمكشوفة، على حدّ سواء..

تجاهل حزب الله، عبر أمينه العام السيد حسن نصر الله التيار العوني في كلمته لمناسبة عيد التحرير والمقاومة، مشيراً الى ان الحزب ليس لديه قطيعة مع أحد. ويحاول باسيل تمرير الرسائل بأنه لن يقبل بمرشح يشكل استفزازاً للحزب أو لا يقبله الحزب. أمَّا في الوقائع على مستوى الممارسة، فيبدو التناقض سيّد الموقف، كيف يسعى باسيل للتوافق مع فريق معراب على رئيس يواجه المرشح سليمان فرنجية الذي يتبنَّى الحزب ترشيحه على رؤوس الأشهاد؟

على الجبهة الرئاسية، يمضي الوقت بلا معنى رئاسياً، وهو يستقطع بين نشاط من هنا، ومتآمر من هناك، ومرابط عند موقف لا يتزحزح، طال الوقت أم قصر، ما دامت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قادرة على الاجتماع، واتخاذ القرارات، ولو كره الكارهون.

يضغط الوقت على اللبنانيين، على لقمة عيشهم، ورواتبهم، ولا يضغط على الطبقة الحاكمة، عبر مصالحها التي تتقدم على ما عداها. ومع مضي الوقت يزداد انقسامها، ويزداد عبثها بكل ماهو قائم، ويترك مصير اللبنانيين للسباع ينهشنه، و«يقضمن» اليد والرجل، وحتى المعصم، (بعض التعابير مستعارة من عنترة العبسي).

لم تتمكن قمة جدة التي خرجت بالاعلان الشهير، حول خارطة الطريق الرئاسية، وما خلا المعلومات التي تحدثت عنها صحيفة الرياض السعودية من ان الشأن اللبناني بحث في لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس السوري بشار الاسد، وأن هناك اهتماماً وعملاً مشتركاً، لإنهاء الشغور الرئاسي، لكن ما حصل في اليوم التالي، ان هذا النوع من المعلومات، بدا وكأنه لا أحد يتبناه، أو يعمل بهديه..

وعليه، كلما تقدم «الشغور الرئاسي» في السّن، كلما برزت على المشهد نتوءات، بالغة الخطورة، لا تعجل بملئه، بل تعجّل بصبّ الزيت على النار في جحيم الحياة اليومية للمواطنين، الذين لا ينوؤون فقط تحت عبء الضغوطات المالية اليومية، من ضحالة الرواتب الى انعدامها، ومن الفحش الموصوف بالتلاعب بالأسعار.. الى ارتفاع تكاليف الخدمات من ماء وكهرباء، وهواتف وأجور انتقال ومحروقات..

حوَّلت الاعانات الآتية من البنك الدولي، عبر شبكة «أمان»، وتلك المتسّربة عبر السفارات والدول والأحزاب، أو حتى من الأفراد الميسورين، المجتمع اللبناني بشبابه، والمتقدمين في السّن فيه الى لقمة سائغة، بأيدي «لصوص الهيكل» من العابثين بسلامة الحياة، واستمراريتها على النحو السليم والمطمئن، يفعلون ما يحلو لهم، ولا يسألون عن أفعالهم، أو حتى سرقاتهم، أو حتى تهريب أموالهم..

في لعبة «العبث» هذه، الموسومة «بالتخبط» والضياع، تتكاثر المخاطر الآتية من الشرق عبر محاولات زرع النازحين السوريين في الأرض اللبنانية، قسراً، وبلا رغبة أهل البلد وسكانه، وما حديث الدفع بالدولار لهؤلاء سوى مظهر من مظاهر المخططات المشبوهة على هذا الصعيد..

ومن الجنوب، حيث تربص اسرائيل بحزب الله، سواء على مستوى العمليات الاستخباراتية والأمنية أو عبر استمرار الضربات الصاروخية والجوية على الأرض السورية، أو التهويل بمنازلة جديدة، على أرض لبنان، وعلى وجه التحديد، التهويل بتدمير الجغرافيا الشيعية عن بكرة أبيها، حجراً وبشراً..

كان حزب الله متيقظاً لما يجول في خاطر القيادات السياسية والعسكرية في اسرائيل، فردّ على التحذير بأكبر منه، محذراً من أن تكون الواقعة المقبلة  «المعركة الكبرى» الفاصلة في حياة المنطقة وتاريخها ومستقبلها.

في المشهد المضطرب هذا، من مختلف نواحيه، يخوض رياض سلامة حاكم مصرف لبنان، بالاصالة عن نفسه والوكالة عن شركاء مفترضين أو فعليين آخر معارك البقاء على عرش التلاعب «بالمال والأحوال» والأهوال، والتي تمثلت بتهريب  الأموال عبر المطار، والايقاع الهستيري في سعر صرف الدولار، والتآكل المخيف للأجور والرواتب على جميع المستويات، والتي كان من أخطر فصولها الغموض المحيط بودائع اللبنانيين في المصارف كبيرها وصغيرها..

السؤال في هذا الخضم: إلامَ  يستمر الوضع على هذا النحو: شغور، فانقسامات حادة، فتعطيل يطال البلد كلّه، ما خلا بعض القرارات اليتيمة لمجلس الوزراء، المثقل بالنقاط العالقة، والذي تجول في خاطر رئيسه بين وقت وآخر فكرة الاعتكاف، التي تضر بمصالح البلاد والعباد، على نحو أكثر خطورة مما هو حاصل الآن؟.

بعيداً عن المواعيد المضروبة، والتطلعات المصلوبة، يعيش البلد أيامه «يوماً بيوم». وفي كل يوم يملأ الفراغ كلام أجوف، لا معنى له، ولا قدرة لديه على ادارة شيء، سوى تبرئة النفس، والدفع من انقسام الى انقسام أدهى..

والكلام المباح، أو المستباح، غالباً ما ينطوي على عقم في العقل والفم واللسان، بانتظار ان تؤول معطيات الواقع الثائر الى وضع يصبح فيه الفعل هو كلمة السر الأولى..