Site icon IMLebanon

“الحزب” لن يفرِّط بموقع الرئاسة… ولو طال الفراغ!

 

 

ليس أعضاء المجلس النيابي هم الذين ينتخبون رئيس الجمهورية في لبنان، وليست الغالبية العددية داخل المجلس هي التي ترجّح كفّة هذا المرشح أو ذاك. في لبنان، يكون الرئيس في العادة وليد توازنات القوى المحلية والإقليمية والدولية. والطرف الأقوى على الأرض يكون له الدور الأقوى في التسمية. ولذلك، من العبث أن تحاول القوى المحلية الضعيفة فَرض رئيس للجمهورية، ولو استطاعت تحصيل الغالبية العددية في المجلس، لأنّ الطرف الأقوى على الأرض قادر على إحباط المحاولة.

ليس هناك أدنى شك في أنّ مَن يملك المبادرة في لبنان، في الدرجة الأولى، هو اليوم «حزب الله». والأمر ليس متعلقاً فقط بانتخاب رئيس للجمهورية، بل بما خَصّ كل مفاصل القرار.

 

مثلاً، عندما قال لبنان للأميركيين «نعم» لترسيم الحدود مع إسرائيل، جاءت التغطية من «الحزب» أولاً. ومثلاً، جَرت انتخابات نيابية حملت إلى المجلس أعداداً من «التغييريين»، لكن شيئاً لم يتغيّر في عمل المجلس واقعياً لأنّ الأقوى يفرض حضوره. ومثلاً أيضاً، يخوض لبنان اليوم غمار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للاتفاق على برنامج تعاون، ولكن يستحيل توقيع اتفاق إلا إذا وجد «حزب الله» مصلحة في ذلك.

 

وأمّا بالنسبة الى ما يتعلق برئاسة الجمهورية، فللتذكير، أبقى «الحزب» هذا الملف في حال مُراوحة بين 2014 و2016، حتى نضجت الظروف لإيصال مرشحه آنذاك العماد ميشال عون. واليوم، هو ينتظر أيضاً إنضاج الظروف لإيصال المرشح المدعوم من الحزب وهو حالياً الوزير السابق سليمان فرنجية.

 

ولذلك، في ظل التوازنات الحالية للقوى، في لبنان والمنطقة، سيكون مستحيلاً فرض مرشح لرئاسة الجمهورية يرفضه «حزب الله»، ولو استطاع هذا المرشح «تقنياً» جَمع الغالبية النيابية الكافية. فمسألة انتخاب رئيس في لبنان سياسية ولا يمكن حسمها بهذه «البراءة».

 

يعني ذلك أن لا فاعلية لِما تقوم به القوى المناهِضة للمرشح المدعوم من «الحزب» حالياً، باتفاقها على الوزير السابق جهاد أزعور. ففي الترجمة العملية، إنّ أقصى ما يمكن لهذه القوى أن تتوصّل إليه هو التوافق على اسم مرشح واحد. ولكن، ليست هناك فرصٌ حقيقية لانتخابه رئيساً.

 

بالتأكيد، لن يُتاح لهذه القوى إيصال أزعور إلى بعبدا. أولاً، لأنّ مفاتيح المجلس ليست في يدها لعقد جلسة الانتخاب. وثانياً، لأنّ تطيير النصاب يبقى وارداً في أي لحظة. وعلى الأرجح، ستطول مدة الشغور في موقع الرئاسة حتى يتعب الجميع، وحتى تخرج أصوات مسيحية تنادي بملء الموقع لاستعادة «التوازن الميثاقي».

 

في هذه الأثناء، لا شيء سيُجبِر «حزب الله» على التنازل، والتخلي عن فكرة إيصال المرشح المدعوم من قبله إلى الرئاسة، وهو اليوم فرنجية. والمخرج الوحيد المُحتمل هو أن يوافق «الحزب» على تَبديل فرنجية لمصلحة مرشح حليف آخر، على أن يجري تسويق هذا المرشح باعتباره «مستقلاً» أو «توافقياً». وثمّة أسماء عدة مصنّفة في هذه الخانة.

 

بالنسبة إلى «حزب الله»، تُمَثّل رئاسة الجمهورية ركيزة أساسية من ركائز الإمساك بالقرار في لبنان. ولذلك، هو لن يتخلى عنها اليوم كما لم يتخلَّ عندما «صبَر» وأوصَل عون إلى بعبدا. ويبدو «الحزب» مستعداً للدفاع عن مكتسباته كلها بقوة، ولا يتخلى عن أيّ منها. ولا شيء يُجبره على الخسارة في هذه المعركة. وفي أي حال، إذا شعر بأنّ أيّاً منها يمكن أن تضيع من يديه، فنموذج 7 أيار جاهز.

 

ويكفي تصوير أزعور بأنه على علاقة طيبة بالأميركيين، وبأنه يمثّل خطاً «مُعادياً للمقاومة»، حتى يصبح «مشروعاً» الوقوف ضده وإسقاطه بأي وسيلة كانت، تحت عنوان الدفاع عن النفس.

 

يعني ذلك أنّ اللعبة السياسية في لبنان ستبقى في وضعية اختلال حتى إشعار آخر. وملف رئاسة الجمهورية ليس سوى نموذج. وتالياً، لن يكون مُمكناً إجراء انتخابات رئاسية «طبيعية»، كما في بلدان العالم «الطبيعية».

 

فوق ذلك، إنّ القوى الإقليمية والدولية تبرم الصفقات مع «حزب الله». وثمّة مَن يدعو إلى التأمل في مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي لم يتراجع عنها. فقد وافقَ الفرنسيون على إيصال المرشح المدعوم من «الحزب» إلى الرئاسة، في موازاة رئيس للحكومة محسوب على 14 آذار. وثمّة مَن يقول إنّ هذه المبادرة تُخفي اتفاقاً ضمنياً مع «الحزب»، يتمَتّع ببُعدٍ إقليمي.

 

في أيّ حال، يبدو ملف الرئاسة مقبلاً على فصول جديدة – قديمة من المراوحة، في انتظار أن تأتي التسوية من مكانٍ ما.