Site icon IMLebanon

«حزب الله» وحده يمسك بخيوط الرئاسة

 

لم تعد هناك مفاجآت على الأرجح في ملف الرئاسة. والبلد يقترب من الأزمة الدستورية- السياسية التي كان يُخشى وقوعها منذ ما قبل الانتخابات النيابية. فلا رئيس جديداً للجمهورية قبل 31 تشرين الأول المقبل، ولا حكومة جديدة. وأما الآتي بعد ذلك فمتروك للظروف.

ليس هناك معسكران واضحان في المعركة الرئاسية، كما يبدو للوهلة الأولى: الأول يضمّ عون وحده، والثاني «كل الآخرين» تقريباً ما عدا «حزب الله»، أي الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي ورئيس «التقدمي» وليد جنبلاط ورئيس «المردة» سليمان فرنجية، ومعهم الدكتور سمير جعجع.

الأصحّ هو أنّ خريطة القوى تبدو حالياً كالآتي:
– عون الذي يوحي بأنّه يمتلك أوراق قوة سيستخدمها في الوقت المناسب.
– «حزب الله» الذي يحتفظ لنفسه بمسافة عن الجميع.
– بري وميقاتي اللذان يعدّان العدّة للتنسيق في خطة المواجهة.
– جنبلاط الذي ما زال يتجنّب حسم تموضعه رئاسياً.
– جعجع الذي فتح المعركة على مصراعيها لأنّ الخيارات المطروحة كلها غير مناسبة، كما كانت في استحقاق 2016.
– فرنجية الخبير جيداً بسلوكيات الحلفاء والخصوم، ولا يريد أن يحرق أصابعه كمرشح رئاسي جدّي.
– قوى التغيير والقوى المستقلة التي لها أصواتها داخل المجلس النيابي.

إذاً، حلفاء عون في صف 8 آذار مشرذمون وتتنازعهم المصالح. وكذلك خصومه. وأما عون نفسه فيراهن على إثبات حضوره في اللحظة الأخيرة من الولاية، أي عندما تُنتَزع منه بحكم انتهاء السنوات الأربع كل أوراق القوة التي يتمتع بها دستورياً.

الرئيس بري أعلن موقفه بوضوح، وكذلك ميقاتي وجعجع. لكن «حزب الله» يبقى صامتاً. وأما جنبلاط، في زيارة ميقاتي، وعلى رغم التقارب معه في الشكل، فقد حاول تجنّب إبداء أي موقف في الملف الرئاسي، وقال إنّه تداول مع ميقاتي في شؤون الكهرباء والوضع المعيشي، لكن «الأمور الكبرى أتركها للآخرين».

وهذه الإشارة من سياسي يعرف كيف يوجّه رسائله، لها دلالاتها. فجنبلاط يتجنّب «التورُّط» في التزامات يدرك أنّها مبكرة وستكون قيد الاستهلاك والاحتراق، لأنّ مواقف بري وميقاتي وسواهما يمكن أن تتبدّل في أي لحظة، بتأثير من تطورات الشهرين المقبلين.
في معنى آخر، يطلق بري مواقفه التصعيدية لأنّه قادر على المفاوضة انطلاقاً منها.

وكذلك، يطلق ميقاتي مواقفه التصعيدية لأنّ المعركة مع عون هي معركته «راس براس». وأما جنبلاط فيفضّل إبقاء «رِجل في الفلاحة ورِجل في البور» ليرى الأمور في شكل أكثر وضوحاً. وحتى فرنجية صامت لأنّه لا يريد «إحراق نفسه» قبل أن تكتمل الصورة، أي قبل أن يكشف «حزب الله» موقفه الحقيقي.

إذا كان هناك اتجاه لتدعيم موقف ميقاتي بغطاء سنّي ديني وسياسي، فمن البديهي أن يكون لبكركي موقف أكثر وضوحاً في الأسابيع المقبلة. وعلى الأرجح، هي لن تتناغم مع القوى الشيعية والسنّية والدرزية في مواجهة عون، لأنّ المعركة ستتخذ طابعاً طائفياً ومذهبياً أيضاً. فحتى البطريرك الراحل مار نصرالله صفير وقف مع رئيس الجمهورية ورفض إسقاطه في الشارع، على رغم التباين السياسي بين الرجلين.

لذلك، هناك شيء ما يخبئه الرئيس ميشال عون وسيعلنه في اللحظات الأخيرة قبل انتهاء ولايته. وسيكون الثلث الأخير من تشرين الأول صاخباً، لأنّ البلد سيدخل في الفترة التي يصبح فيها النواب قادرين على التداعي وانتخاب رئيس للجمهورية، وسيكون الشارع مشتعلاً بالتحركات احتجاجاً على بلوغ الانهيار المالي والنقدي مستويات أشدّ خطراً، إضافة إلى التحركات التي دعا إليها نواب التغيير احتجاجاً على تعطيل الاستحقاق الرئاسي.

في هذه اللحظات، سيتخذ عون قراره في ما يتعلق بالمغادرة أو البقاء أو سيبتكر مخرجاً آخر يستند إلى اجتهادات دستورية. وهذه الاجتهادات يتردَّد أنّها ستكون «مبكَّلة»، تماماً كما يقول أصحاب الاجتهادات المقابلة التي تقول إنّ حكومة تصريف الأعمال يمكنها تسلّم صلاحيات الرئاسة بالوكالة.

في ما يتعلق بالاجتهادات، الكل يمكنه إثبات صوابية موقفه. ويمكن أن يغرق البلد في جدالٍ لا نهاية له حول تفسير الدستور، وإن يكن الرئيس بري يجزم أنّ صلاحية التفسير تعود إلى المجلس النيابي وحده. ولكن، على الأرض، لا أحد يستطيع فرض تصوّره على الآخر.

والأرجح أنّ الفريق الأكثر صمتاً اليوم هو الأكثر فاعلية على الأرض، أي «حزب الله». فالرئيس عون يخوض المعركة ضد «الآخرين» وحده في الظاهر، ولكنه يمكن أن يحظى بأكبر دعم إذا تلقّى المساندة من حليفه «الحزب».

وللإيضاح، إذا قرّر «حزب الله» دعم عون، لسبب أو لآخر، فسيكون الأقوى لأنّ مواقف بري وميقاتي وجنبلاط وحتى فرنجية ستتبدّل، ولو بمقدار. والجميع يدرك ذلك. وربما هذا هو السبب لتحفّظ جنبلاط الذي جاء حديثاً من محور الخصوم إلى محور المتحاور مع «الحزب»، تحسباً للآتي.

في المعركة الرئاسية عام 2016، كان الرئيس بري وآخرون يرفضون وصول عون، لكنه وصل إلى الموقع لأنّ «الحزب» معه. واليوم، لم تتغيّر الخريطة كثيراً.
و»حزب الله» يتفرّج اليوم على الجميع، وهم يضيعون الوقت بالسجالات حول الرئاسة، تماماً كما يتفرّج على الجميع في ملف الترسيم. وفي الحالين، هو يمسك بالخيوط الأساسية وينتظر التحوّلات الداخلية والخارجية ليحسم الخيارات.