لا جديد تحت سماء الرئاسة اللبنانية. في هذه اللحظة بالذات، وحده العامل الداخلي قد يحرّك المياه الراكدة، لا سيما اذا نجح الحوار المستجدّ بين «التيار الوطني الحر» و»حزب الله»، والذي من شأنه أن يقلب المشهدية رأساً على عقب، ويعيد رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية مرشّحاً متقدّماً، فتصير لدعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى الحوار المفترض إلحاقه بجلسات انتخابية، نكهة مفيدة. أمّا غير ذلك، فمتروك للمتغيّرات الاقليمية والتي تبدو حركتها بطيئة، وقد لا تشمل لبنان بـ»نِعمها» إلّا بعد حين.
بهذا المعنى، لا يمكن التعويل كثيراً على حركة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين في بيروت، لتحقيق خرق ما في جدار الرئاسة المقفل. اذ يقول المطلعون على موقف الإدارة الأميركية إنّ واشنطن تولي أهمية بارزة لاتفاق الحدود البحرية انطلاقاً من استراتيجيتها في مجال الطاقة، ولهذا كان البند الأول والأساس في زيارة مستشار الرئيس الأميركي لشؤون أمن الطاقة، إلى بيروت، لجهة تثبيت الاتفاق ومتابعة أعمال الاستكشاف والاستخراج اذا تأكد وجود مكامن تجارية في البلوك 9 الجنوبي.
ويشيرون إلى أنّ واشنطن تراقب عن كثب تفاصيل المسار النفطي، وهي تبدي حرصاً على التدقيق في طبيعة التشريعات المواكبة لا سيما في ما يتعلّق بالصندوق السيادي الذي سيتولى إدارة عائدات الغاز إن وجد، حيث يتبيّن أنّ الأميركيين يولون أهمية قصوى لهذا الملف من ألفه إلى يائه، ولم يقفلوا الباب عند توقيع الاتفاق الحدودي، لا بل يحرصون على متابعة دقائقه للتأكد من كيفية توظيف تلك العائدات ومجالات صرفها.
كذلك يحتل الجانب الأمني سلم اهتمامات الإدارة الأميركية، كي لا يسقط الهيكل برمته فيحوّل الخارطة اللبنانية إلى بؤرة فوضى غير مضبوطة قد تولّد المزيد من الأزمات. ولهذا استثمر الأميركيون في القوى الأمنية ولا يزالون يتابعون هذا الملف بتفاصيله مع حلفائهم من باب العمل على عدم إلحاق المؤسسات الأمنية ببقية المؤسسات الرسمية المشلولة والمعطّلة بفعل تدهور قيمة العملة الوطنية. ويعملون مع القطريين بالتحديد لسدّ أهم الاحتياجات من رواتب وفيول. هذا الموضوع يشغل بالهم ويعملون على ترتيب المعالجات المطلوبة للحفاظ على وحدة المؤسسات الأمنية وفعاليتها ولو بالحدّ الأدنى الذي يحول دون تحللها وانفراط عقدها.
أما ثالث اهتماماتهم فهو اقتصاد الكاش الذي يثير القلق من تداعياته. وثمة الكثير من الدراسات والأوراق البحثية التي أجريت في واشنطن لدراسة أبعاد هذا الاقتصاد وتأثيره وجوانبه المظلمة التي تفقد السيطرة على الحركة المالية، الأمر الذي يسمح بتحوله إلى اقتصاد غير نظيف. وهذا الموضوع موضع نقاش جدي على المستوى الدولي، وليس فقط الأميركي.
في المقابل، لا تبدو الرئاسة اللبنانية في موقع بارز في الأجندة الأميركية في ما خصّ منطقة الشرق الأوسط. ويشير المواكبون إلى أنّ الإدارة الأميركية لا تزال تحاذر التورط بشكل عميق وجذري في ثنايا هذا الملف لناحية الانخراط بشكل تفصيلي على غرار ما تقوم به باريس، لا سيما وأنّ هذا السلوك عرّضها للانتقادات المحلية والخارجية بعد سلسلة الانتكاسات التي أصيبت بها.
ويلفت هؤلاء إلى أنّ التردد يغلب على سلوك الإدارة الأميركية، فتراها تسطر موقفاً نوعياً لتتراجع من بعده خطوات إلى الوراء وتترقب. تلوّح بفرض العقوبات على المعرقلين ولكن من دون أن تبادر إلى اتخاذ خطوات صارمة. تشارك في اجتماعات اللجنة الخماسية وتسجّل ملاحظات على أداء الفرنسيين ومبادرتهم المتعثّرة ولكن تفسح لها المجال للعمل في الواجهة. المسؤولون الأميركيون مقتنعون أن الفرنسيين مربكون في أدائهم، لا بل «يخبّصون» في مبادراتهم، ومع ذلك لا يصدّونهم ويحرصون على عدم إثارة اشتباك معهم في هذا الملف، ويتركون لهم هامش التحرك.
باختصار، لا حماسة دولية في السير فوق الرمال اللبنانية. وحدها باريس هي التي خاطرت وبادرت وكانت في كل مرة تواجَه بالفشل، فبدت وكأنها من الهواة في اللعبة اللبنانية، في المقابل، ثمة مساعٍ قطرية تتسم بالهدوء وتبتعد عن الشوشرة والاستعراضات، ومدعومة بالتنسيق مع الأميركيين والسعوديين.
هكذا، يصير للحراك الداخلي قدرته على فرض تطور ما، مع العلم أنّ موقف بري موضع سؤال محلي وخارجي. اذ كان رئيس المجلس أكثر المستعجلين لإنجاز الرئاسة وعدم ترك الشغور يتمدد في بعبدا كي لا يستفيد رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل من عامل الوقت، واذ به مُتهم بالتعطيل والمعاندة تحت عنوان سليمان فرنجية رئيساً أو لا رئاسة.
فهل سيقلب تفاهم «التيار»- «الحزب» الطاولة؟
يقول بعض المواكبين لهذا المسار، إنّ «حزب الله» قد لا يكون متحمّساً لترئيس فرنجية بأغلبية 65 صوتاً فقط، تعني في ما تعنيه من «تقريش سياسي»، غياب المظلة الدولية التي قد تساعد العهد الجديد على الانطلاق بثبات وثقة دولية، لا بدّ منها لتطويق الانهيار ولجمه. وبالتالي إنّ استعادة جبران باسيل من جانب «الحزب» تهدف أولاً إلى تحسين موقع هذا الفريق التفاوضي، قبل فرض فرنجية رئيساً. وفي مطلق الأحوال، هذا يعني أنّ انجاز الرئاسة غير متاح راهناً، وما الحديث عن انتخاب رئيس في «طرف أيلول»، إلا «كلام مبلول»!