على رغم الأحداث الأمنية المتفرّقة أخيراً والتي وُجّهت أصابع الاتهام فيها إلى «حزب الله»، تعتبر جهات عدة أنّ «الحزب» لا يُمكنه استخدام «سلاحه» رئاسياً خصوصاً أنّ هذه المرحلة تختلف عن سابقاتها، وهناك معارضة قوية في وجهه شعارها «لا خوف» و»لا تراجع» لا تحت وطأة الرسائل التهديدية ولا حتى «الاغتيالات». فضلاً عن أنّ هذه الحوادث كانت غير مقصودة ولم يكن يريدها «الحزب» مثل حادثة الكحالة، أو عمل على عدم تظهيرها كالكمين المحكم لاغتيال المسؤول «القواتي» الياس الحصروني لإظهاره على أنّه حادث طبيعي.
مع ما قد يؤدّي إليه أي عمل أمني ظاهر لـ»حزب الله» في وجه معارضيه مثل أحداث السابع من أيار 2008، من مواجهات أو «ميني» حرب أهلية، يرى البعض أنّ «الحزب» لا يتحمّل ذلك الآن، لأنّ سلاحه المُدار من إيران له أهداف محدّدة تخدم طهران، وأي استنزاف داخلي راهناً، قد يُفضي إلى طرح موضوع السلاح جدياً على الطاولة، بما يتعارض مع الأهداف الإيرانية الاستراتيجية، فيما أنّ أي استخدام لهذا السلاح في الداخل يجب أن يكون محدوداً ومحدداً لحماية السلاح بالسلاح والحفاظ عليه لاستخدامه بما يتوافق مع الأجندة الإيرانية.
وإذ إنّ لسلاح «الحزب» قوة معنوية حتى من دون استخدامه، وبهذه القوة تمكّن في محطات عدة من إخضاع المعارضين لشروطه الداخلية وفي المؤسسات الدستورية، إلّا أنّ النقمة الشعبية على هذا السلاح والتي تظهّرت من شويا إلى الكحالة وما بينهما عين الرمانة، تمنع «الحزب» أيضاً من خوض غمار مغامرة بالسلاح، إضافةً إلى وجود قوى سياسية متمثلة نيابياً بشكلٍ وازن، في مقدمها حزب «القوات اللبنانية»، أظهرت بالتجربة أن السلاح العسكري أو سلاح الفراغ لم يعد أي منهما صالحاً في المعركة الرئاسية. لذلك، يحاول «الحزب» التنويع في الأسلحة التي يستخدمها رئاسياً، إن ديبلوماسياً عبر البوابة الفرنسية وإن عبر الحوار– المقايضة مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، وأخيراً عبر الحوار الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري لسبعة أيام كحد أقصى تليه جلسات انتخابية متتالية. ويعوّل «الحزب» على هذا الحوار على مستويين:
الأول، شراء الوقت، عبر الإظهار إلى الرأي العام الداخلي والمجتمع الدولي، أنّه يريد انتخابات رئاسية عبر الحوار والتوافق، فيما الفريق المعارض يرفض أي صيغة حوارية وبالتالي هو من يتحمّل الشغور.
الثاني، إمكانية إقناع كتل نيابية عدة بانتخاب رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية رئيساً أو تأمين النصاب لجلسة انتخابه، إذ وفق حساباته إذا وصل الحوار مع باسيل إلى خواتيمه المرجوّة، يصبح انتخاب فرنجية مؤمناً في الدورة الثانية بأكثرية النصف زائداً واحداً.
لذلك تقول مصادر قريبة من «حزب الله» إنّ الحوار الذي دعا إليه بري لا يعني أبداً التراجع عن ترشيح فرنجية ولا يتعارض مع الحوار الجاري مع باسيل بل يكمّله. ولا يزال «الثنائي الشيعي» يعوّل على إمكانية وصول فرنجية إلى سدّة الرئاسة الأولى، وتؤكد مصادر مطّلعة على موقفه أن «لا بديل عن فرنجية»، على رغم ما سُرّب عن توجيه النائب محمد رعد «أسئلة رئاسية» إلى قائد الجيش العماد جوزاف عون خلال لقاء سرّي جمعهما. وتُبدي مصادر شيعية تفاؤلاً تاماً بانتخاب مرشح «الثنائي الشيعي» إلى حدّ القول إنّ «فرنجية رئيس».
كذلك يبدو وفق حسابات «الثنائي» ومعطياته في انتظار زيارة الموفد الفرنسي الرئاسي جان إيف لودريان، أنّ الحراك الفرنسي قائم وفاعل، وقد يوصل، عطفاً على القنوات الإيرانية – السعودية المفتوحة، إلى حلّ ما مع الرياض، يؤدّي إلى عهد رئاسي لفرنجية يحمل «الانفتاح والازدهار». إنطلاقاً من ذلك، لا يزال «الثنائي الشيعي» في وادٍ رئاسي، والمعارضة، خصوصاً ما يُعرف بالـ31 نائباً، في وادٍ آخر، علماً أنّ موقف المعارضة الرافض للحوار الذي دعا إليه بري أو أي حوار رئاسي لا يُفصل عن حقيقة الموقف الخارجي، لا سيما الموقفين الأميركي والسعودي.
إنطلاقاً من ذلك، تسقط الحملة التسويقية الأخيرة لفكرة أنّ المعارضة التي ترفض الحوار الذي دعا إليه بري، ستشارك في الحوار رئاسياً متى دعت إليه الدوحة بتغطية سعودية – أميركية. وتؤكد مصادر معارضة أنّ «ما رفضناه مع الرئيس بري ولودريان نرفضه مع أيٍّ كان، لأنّنا نتسلّح بأقوى سلاح وهو الدستور الذي يحدّد طريقة انتخاب رئيس للجمهورية عبر آلية ديموقراطية في مجلس النواب»، مشيرةً إلى أنّ «الحوار الوحيد الذي نقبل به هو الذي يكون موضوعه سلاح «حزب الله»، ضمن جدول معيّن ومدة محدّدة وآلية واضحة، وذلك بعد الانتخابات الرئاسية، إذ لا يُمكن قيام دولة ومؤسسات في ظلّ سلاح خارج إطار الدولة».