يبدو أن ما بعد الهزة الإقليمية الأخيرة على الخط الإيراني ـ السعودي، ليس كما قبلها، بالنسبة الى الحديث حول التسوية الرئاسية التي كان مؤداها وصول النائب سليمان فرنجية إلى الرئاسة.
المبادرة التي خرج بها الرئيس سعد الحريري قبل نحو شهرين في لقائه الباريسي مع فرنجية، يبدو أنها لن تبصر النور، أقله في المرحلة الحالية، وإذا كانت واجهت صعوبات جمة لقبولها من طرفي المعادلة اللبنانية في «8 و14 آذار» في الفترة السابقة، الأمر الذي لم تنتقل بسببه الى مرحلة الإعلان الحريري الرسمي عن تبني فرنجية، فإنها اليوم قد باتت في صيغة الماضي، حتى بالنسبة إلى من أطلقها!
في تشرين الثاني الماضي، لم يكن المشهد الإقليمي مختلفاً كثيراً، إذ إن التوتر على خط طهران ـ الرياض كان قائماً في ساحات متعددة في المنطقة، في سوريا واليمن والعراق.. ولبنان. حينها، اصطدمت مبادرة الحريري بحائط رفض «حزب الله» للمبادرة على قاعدة عدم خذلان العماد ميشال عون، الطرف الموعود من قبل الحزب بالرئاسة.
لكن بعض المراقبين يعزون السبب إلى أن «حزب الله» ليس في وارد القبول بالحريري رئيساً للحكومة، كما أنه لن يقبل بحل سعودي للأزمة في الوقت الذي يرى فيه أن التطورات الأخيرة في سوريا والعراق، وحتى في اليمن، تسير لمصلحته.. لذا فإنه ليس في عجلة من أمره، وليس من مصلحته تقديم أي جائزة الى الطرف الآخر.
هذا التحليل يتقاطع في الخلاصة مع ما تذهب إليه أوساط «مستقبلية». ترى هذه الأوساط أن الحزب، الذي يعتبر ما يحصل في سوريا انتصاراً لمحوره، ليس في وارد القبول بالمبادرة، وتزيد أن «حزب الله» يرهن البلاد للمصالح الإيرانية ولا يعترف بالحدود المحلية ويربط مستقبل لبنان بما يجري في المنطقة وتحديداً بـ «مغامرته» السورية.
على أن التطورات الأخيرة بين السعودية وإيران لم تأت سوى لتصب الزيت على نار الأزمة القائمة ولتزيد من واقع التأزم اللبناني وتعمق مشكلة تلك المبادرة الحريرية وصولاً الى هز العلاقة بين الحزب و»تيار المستقبل»، وهي العلاقة الهشة أصلاً، والتي، وإن كانت حافظت على حدها الأدنى عبر الحوار القائم بين الحزب والتيار، فإن القيادة «المستقبلية» قد شرعت في درس هذا الحوار ملياً، في نقاش داخلي لجدواه، حسب أوساط «مستقبلية»، بعد ما سمته بالتصعيد الكبير في تصريحات القادة في «حزب الله» خلال الأيام الأخيرة.
لكن أوساطاً متابعة تلفت النظر إلى أن «المستقبل» لن يكون في استطاعته التنصل من الحوار مع الحزب، وإلا اتُهم بتأجيج التوتر الداخلي، لا سيما أن إيجابيات الحوار تتخطى سلبياته، خاصة أنه يفيد في تخفيف الاحتقان وفي الشروع في نقاش أي أزمة تطرأ على صعيد البلاد كما على صعيد العلاقة بين الطرفين.
اليوم، مع هبوب رياح العواصف الإقليمية على لبنان إثر التوتر السعودي الإيراني، وفي ظل التصريحات الهجومية بين الفريقين والتي تحمّل أوساط في «8 آذار» الحريري المسؤولية عنها كونه من دشنها، يبدو ان المبادرة قد باتت في خبر كان، وإن لم يتم نعيها رسمياً.
تحمل الأوساط «المستقبلية» مسؤولة تدهور الأمور لـ «حزب الله»، وتشير إلى نقطة تحول طرأت إثر التصريحات الجارحة من قبل الحزب، وخاصة النائب محمد رعد والتي تقول إنها قد خرجت عن لغة التخاطب بين السياسيين وحملت شتائم وكمنت فيها لغة تهديدية لا تفيد في رفد الحوار القائم بين الطرفين.
لا بل إن هذه الأوساط تذهب الى اعتبار أن الأمور قد وصلت الى حد باتت معه البلاد على حافة الانهيار، ولم تعد المسألة تتعلق بعرقلة انتخاب رئيس للجمهورية، بل بتعطيل البلاد وربطها بالنزاع الدموي في سوريا والمنطقة على حساب الدولة اللبنانية وفي سبيل «المشروع الإيراني».
في هذه الأثناء، برغم اللغة الخطابية عالية النبرة، فإنه، حتى اليوم، لا يزال الحوار بين «حزب الله» و «المستقبل» قائماً، وتضع أوساط «8 آذار» الكلام «المستقبلي» حول نقاش داخلي لدرس جدوى الحوار، في خانة «التهويل» على البلاد، مشيرة إلى أن جلسات هذا الحوار لن تتوقف حتى ولو ساءت الأمور أكثر من ذلك.. أما لناحية التسوية الرئاسية، فإن هذه التسوية قد «وُلدت ميتة».