Site icon IMLebanon

من خفايا المبادرات: “أسافين” سقطت بـ”الضربات القاضية”!

 

 

قادت المبادرات التي انطلقت في الاسبوعين الاخيرين الى سيناريوهات أحدها كان يتوقّع صداماً بين المواكب التي أقلّت رؤساء الكتل النيابية ونوابهم والمستشارين. امّا وقد حالت دونه الرادارات التي كانت ترصد الفشل المحتوم نتيجة السباق في ما بينها، فقد ثبت أن تفكيك العقد المستعصية مستحيل في ظل فقدان الثقة المسبقة بتحقيق أي إنجاز. وعليه، هل من المستغرب إن انتهى الحراك الجديد الى ما سبقه ممّا يُماثله من مبادرات داخلية وخارجية؟

كان واضحاً لدى الأوساط السياسية والديبلوماسية الداخلية كما الدولية، أنّ ما شهدته الساحة الداخلية في الفترة الاخيرة من تجارب وعروض لا طائل منها نتيجة فقدان الاقتراحات «المبتكرة» التي يمكن ان تنتج مخارج وحلولاً لمسلسل العقد المستعصية التي أبعدت الاستحقاق الدستوري عن موعده الى المدى الذي لا يمكن التحكّم به، ولا تقدير النتائج الايجابية المتوخّاة منه. ذلك انّ المواقف ما زالت عند سقوفها العالية والمتضاربة التي لا يمكن أن تتلاقى في اي محطة سياسية او دستورية مرتقبة، لا بل انّ بعضها ازداد تشنّجاً وتعقيداً بما يقطع الطريق الى التفاهمات المحتملة لتقصير مهلة الفراغ الرئاسي واعادة تكوين السلطات الدستورية كاملة في مرحلة من أدق المراحل التي تعيشها البلاد والمنطقة.

 

على هذه الخلفيات نظرت أوساط سياسية وديبلوماسية إلى حراك رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط، وبعده حراك رئيس كتلة «لبنان القوي» النائب جبران باسيل تحت شعارات مَلّها اللبنانيون ومعهم الوسطاء الأمميون والدوليون، الذين اتخذوا من المجموعة «الخماسية» وسيلة لمعالجة الوضع وابتداع المخارج المحتملة، ومعهم الحراك الذي قادته كتلة «الإعتدال الوطني» في موازاة الافكار التي قدّمها النائب غسان السكاف وتمحورت بمجملها حول الخيارات التي انتهت إليها الخماسية بالدعوة الى آلية دستورية يترجمها اللبنانيون أنفسهم توصّلاً الى مرشح توافقي او لائحة صغيرة من المرشحين يخوضون السباق الى قصر بعبدا.

 

وما كان لافتاً أنّ كل هذه السيناريوهات قد تراجعت منذ أن جمّدت «الخماسية» أعمالها بعد لقائها الاخير في مقر السفارة الاميركية، والذي لم ينسجم في شكله ومضمونه مع الخيار الوحيد الذي وضعه رئيس مجلس النواب نبيه بري امام الجميع بصفته المزدوجة رئيساً لمجلس النواب وأحد ركنَي «الثنائي الشيعي». فجمّدت كتلة «الإعتدال الوطني» نشاطها وغاب النائب السكاف عن السمع نهائياً. وخَلت الساحة لطرح بري من دون سواه، بعدما توجّه في اكثر من مناسبة الى «من يعنيهم الأمر» بما معناه «انّ التشاور هو الممر الإلزامي لإنجاز الاستحقاق، وانه لا بد منه أولاً وثانياً وثالثاً، وأحد عشر كوكباً»، مضيفاً بلغةٍ لا تسمح بأي جدل أنّ «ذرائع البعض في رفضه للتشاور ليست في مكانها، وإلّا فما هو السبيل لإخراج انتخاب الرئيس من الدوران في حلقة مفرغة».

 

كان ذلك بفارق ايام على اعتراف هذه القوى بالفشل لمجرد إعلان التزامها «الصمت المطبق»، قبل أن يطلق الحزب التقدمي الاشتراكي مبادرته الاخيرة تأسيساً على رغبة قيل إنها فرنسية وقطرية بطريقة مباشرة وبرضى أطراف الخماسية الآخرين بصورة غير مباشرة. ولا يخفى على احد أنها تلازمت بفارق أيام قليلة والمسعى الذي أطلقه باسيل من اجل تشكيل «القوة الثالثة» لتتحكّم بـ»الخيار الرئاسي الثالث» الذي يُنهي اي شكل من اشكال السباق القائم منذ الجلسة النيابية الانتخابية الاخيرة التي يُحيي اللبنانيون ذكراها السنوية الاولى غداً في 14 حزيران، بين رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية الذي يدعم الثنائي الشيعي مع حلفائه ترشيحه، وبين الوزير السابق جهاد ازعور الذي تقاطعت القوى الاخرى على دعم ترشيحه.

 

وامام هذه المؤشرات وما حَفلت به من تعقيدات، تراجعت كل الخيارات التي تحدثت عنها الخماسية والمبادرات السابقة وباتَ على جميع هؤلاء التكيّف مع المعادلة الوحيدة التي فرضها «الثنائي الشيعي» تحت عنوان التوافق او لتخريج لائحة المرشحين للرئاسة. ولذلك تعددت المواقف ومعها العروض التي تقدّم بها فرنجية قبل غيره بدعوته أولاً الى انتخاب الرئيس من الشعب مباشرة، قبل ان يعرض المنافسة الرئاسية بين الأقطاب الموارنة الاربعة دون سواهم او التوافق على المواجهة مع «المسيحي القوي» سمير جعجع. ولمّا قَبل باسيل بالعرض الاول من هذه الثلاثية، رفضَ ومعه المعارضون الآخرون العروض جميعها، ودعوا الى سحب ترشيحات الاربعة. وهو نقاش عبّر عن حجم الخلافات في ما بينهم من دون تجاهل «الاسافين» التي حملتها هذه الطروحات لِما لها من تفسيرات مختلفة.

 

ولعل أبرز ما دلّت إليه هذه المعادلة من «مكامن» تعددت اهدافها، ويقول إحداها انّ طرح فرنجية لترشيح جعجع بقصد شَقّ صفوف القوى المتقاطعة على منافسه، ومشروعاً يُخفي خلفه طرحاً ربما سيظهر قريباً وهو مُدرج على لائحة تطويق حراك باسيل لِدَفعه الى العودة الى حظيرة الثنائي ومرشّحه. ولربما أوحى انه مجرد «زكزكة سياسية» لن تنتج أي خطوة جديدة. فيما تردّد ايضاً انه ترجمة لحلم البعض بإمكان عقد مصالحة زغرتاوية ـ بشراوية جديدة تشبه نتائج «تفاهم معراب» الذي بُني على قاعدة إبعاد فرنجية وإعادة استنساخه لهدف معاكس، خصوصاً انّ كُثراً اعتبروا أن حراك باسيل المفاجىء لتعطيل مبادرة الاشتراكي التي أعطت الاولوية لطاولة حوار بري من دون قبوله بفرنجية «مرشحاً توافقياً»، وهو ما قد يقدمه باسيل للثنائي على طبق من ذهب، ان بلغت الامور حداً معيناً يشجّع على عودة علاقاته بالثنائي الى طبيعتها السابقة، وهو أمر يحتاج الى وقت غير محدد لإثباته، لأنه يفرض قيام معادلة جديدة عنوانها «إعادة تقديم» ترشيح فرنجية بمبادرة دولية واقليمية تُبعد شبح رعاية «الثنائي الشيعي» له وحده.

 

عند هذه المعادلات المتشعبة والمعقدة، يتطلع المراقبون الى موقف اشتراكي قريب، طالما انه أنهى حراكه أمس الأول وسط اعتقادٍ بغياب اي إنجاز يمكن الكشف عنه او التوقف عنده. وينتظر المراقبون من بعده موقفاً من باسيل فور الانتهاء من جَولته بما حملته من مؤشرات، قال بعضها ان معظم مَن التقاهم لم يَبلَعوا بعد فكرة «حياده» في المواجهة القائمة بين الثنائي والمعارضة او بقدرته على التأسيس لـ»القوة النيابية الثالثة» طالما انها غير قابلة للصرف والاستخدام ما لم تجمع نواب كتلة «اللقاء الديمقراطي» وكتلة «الاعتدال الوطني» وبعض النواب المستقلين، ذلك أن المحاولات السابقة التي خاضها مَن يستحق وصفه «الحيادي» لم يتمكن من تشكيل هذه القوة التي، وإن وجدت، لن يكون لها الوقع والتأثير المطلوبَين اذا بقيت على خصومة مع «الثنائي الشيعي» الذي سيكون عليه بقوّتَيه أو بإحداهما الموافقة على خوض غمار «المرشح الثالث»، وهو الامر المستبعد حتى اللحظة.

 

وختاماً لا بد من الاعتراف، الذي قدّمه أكثر من مطلع على كثير من التفاصيل، بأنه لا أمل في اي تفاهم يُنهي مرحلة خلو سدة الرئاسة وانتخاب من سيشغل كرسي بعبدا الشاغرة في ظل إصرار «الثنائي الشيعي» على موقفه من الطاولة وترشيح فرنجية، وهو ما يؤشّر الى النتيجة السلبية التي حصدتها المبادرات السابقة، فلا تقف الأمور عند المحاولتين الأخيرتين بما حملتهما من مناكفات وأفخاخ واللتين سقطتا بـ»الضربة القاضية» من عين التينة. ولذلك، ستنتهيان إلى ما انتهت إليه سابقاتهما بفارق الشكل والمضمون والتوقيت.