ثلاث عمليات نفّذتها إسرائيل خلال الأيام القليلة الماضية، تُثبت أنّها أضافت إلى حربها في غزة، بعداً إقليمياً جديداً: اغتيال القائد السابق في «الحرس الثوري» رضي الموسوي في دمشق في غارة جوية في 25 كانون الأول الماضي، اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» الشيخ صالح العاروري في الضاحية الجنوبية مساء يوم الثلثاء، والإنفجاران اللذان وقعا في محافظة كرمان خلال الذكرى الرابعة لوفاة قاسم سليماني. هي حصلت وتحصل بموازاة حربها المفتوحة في غزة، ومعاركها على الجبهة الشمالية.
وقد تكون هذه العمليات، أولى حلقات مرحلة جديدة من التوسّع في المواجهات العسكرية والأمنية، بعد مرور حوالى 3 أشهر على عملية «طوفان الأقصى» التي شكّلت مفترقاً في مسار المنطقة، ولم تغفل لبنان من مندرجاتها. ولكنها في المقابل، كما ترى مصادر دبلوماسية قد تكون «بداية النهاية»، بمعنى أنّها قد تشكّل «الإنجاز» الذي تبحث عنه الحكومة الإسرائيلية لوقف عملياتها في غزّة، إيذاناً بانطلاق مسار التفاوض السياسي. هذا لا يعني أنّ مرحلة «اليوم التالي» قد تنطلق في أسابيع قليلة، ولكن هذا النوع من العمليات قد يساهم في هندسة التخريجة التي تريدها إسرائيل، لا سيما وأنّ المصادر الدبلوماسية تستبعد فرضية توسّع إطار الحرب في المنطقة بعد هذه العمليات.
فعلياً، يمكن القول إنّ المنطقة برمّتها على المحك. صارت أشبه بحقل ألغام متفجّرة من شأنها أن تطيح بأي استقرار. فكيف يمكن في ظلّ هذه الظروف انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان؟ وفق المصادر الدبلوماسية المعنية، لا حراك رئاسياً جدياً قبل وقف إطلاق النار في غزة وفي جنوب لبنان. وبالتالي، كل الجولات المنتظرة والمرتقبة للمسؤولين الغربيين ليست سوى محاولات خجولة لجسّ النبض وتهيئة الأرضية قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات. عندها يبدأ الكلام الجدي.
ويزيد بعض المعنيين على هذا الكلام، تأكيدهم أنّ عملية اغتيال العاروري قد تبرّد الملف الرئاسي أكثر، وتحيله إلى لائحة الملفات الثانوية التي تصعب معالجتها في الوقت الراهن. ويشيرون إلى أنّ ما حصل في الضاحية الجنوبية وما قد يحصل في الأيام المقبلة، من شأنه أن يدفع المعنيين بالملف اللبناني، وتحديداً مكونات اللجنة الخماسية، إلى الانكفاء قليلاً بانتظار جلاء الصورة الأمنية، لا سيما وأنّ التطورات الأخيرة تزيد من تمسك القوى المعنية بمواقفها حيال الملف الرئاسي، ليصير البحث عن حلّ توافقي، عديم الفائدة. وفق هؤلاء، كان يفترض بمكونات اللجنة الخماسية (لا تزال خماسية من دون أي تغيير في تركيبتها)، أن تعيد تفعيل محركاتها مع انطلاق العام الجديد، على أن يقوم سفراؤها المعتمدون في لبنان بجولة على بعض المسؤولين اللبنانيين، منهم رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، قبل أن تلتئم اللجنة وتعقد اجتماعاً جديداً بعد الاجتماع الأخير الذي عقد في نيويورك… على أن يحطّ من بعدها الموفد الفرنسي جان ايف لودريان في بيروت لتكريس ما سيتمّ التفاهم عليه في اللجنة، ولو أنّ ما قاله لودريان صراحة في زيارته الأخيرة، يؤكد أنّ البحث من جانب «الخماسية» انتقل جدياً إلى مربع المرشح الثالث. والبحث جارٍ عن قوة الدفع التي تتيح انتخاب هذا المرشح.
وفي السياق نفسه، يقول لبنانيون التقوا حديثاً السفيرة الأميركية الجديدة ليزا جونسون إنّ الأخيرة متحمّسة جداً لإنهاء الملف الرئاسي في لبنان، وهي تعتقد أنّه لا بدّ من انتخاب رئيس وتأليف حكومة فاعلة لمواكبة التطورات الحاصلة في الجنوب، سواء في حال أخذت منحى تصعيدياً أو تفاهمياً من خلال العمل على تطبيق القرار 1701 كما تطرح إدارة بلادها عبر الوسيط آموس هوكشتاين، كمخرج لوقف الأعمال العسكرية في الجنوب.
ويشيرون إلى أنّه حتى اللحظة، لا جواب لدى الإدارة الأميركية من قبل لبنان حول هذا المقترح، ويفترض أن يعود هوكشتاين إلى بيروت لاستكمال مساعيه، وقد نقلت صحيفة «هآرتس» أمس أنّ «المبعوث الأميركي سيزور إسرائيل هذا الأسبوع سعيا لتجنب الحرب بين إسرائيل ولبنان». ولكن رئاسياً، لا مواعيد واضحة على الأجندة الدولية المهتمة. ويبدو أنّ الظروف لا تساعد على إعادة تنشيط مساعي اللجنة الخماسية، أقله في المدى المنظور. وعليه، من غير المرتقب أن يتجدد النقاش حول هذا الملف كما كان يُخطط له منذ أسابيع. والأحداث الأمنية قد تستدعي بعض التأجيل.