بالرغم من التعنّت الإسرائيلي ورفض كل محاولات وقف الحرب أو مجرد وقف لإطلاق النار، وإن كان لدواعٍ إنسانية أو صحية بحتة، تستمر المبادرات والاجتماعات وتستمر معها الضغوط على نتنياهو وحكومة الحرب التي يرأسها، وكأن الجميع بات مزروكاً في الزاوية وباتت عقدة الذنب متلازمة لتحركاته. فالجميع يتحرك فقط كي يقال أنه يقوم بعمل ما، ولا يبقى مكتوف اليدين أمام هول المخاطر التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني ليس فقط في قطاع غزة إنما أيضاً في كامل مدن الضفة الغربية ومخيماتها. وهكذا بقيت مناشدات منظمة الصحة العالمية OMS التي تنادي بضرورة تسهيل حملاتها لتلقيح الأطفال، الذي يتهددهم هذه المرة ليس فقط خطر الإبادة الإسرائيلي إنما مرض شلل الأطفال الـ Polio، وكذلك مناشدات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس لضرورة احترام القانون الدولي وتطبيق القرارات الدولية. إذن بدت كل هذه المبادرات غير ذي جدوى على الجانب الإسرائيلي الذي لم يزل يحظى بالدعم الأميركي اللامحدود، حتى أن رئيس وزراء الحرب أعلن أنه مستمر في حربه على غزة وعلى حماس وكل مدن الضفة حتى تحقيق النصر المبين واستسلام القادة الفلسطينيين بدون قيد أو شرط، هذه الحرب التي لن يوقفها قطع إمدادات السلاح البريطانية عن الجيش الإسرائيلي بحسب مزاعم نتنياهو.
الدولة العبرية دولة حرب
وهكذا تبدو الدولة العبرية بكل مقدراتها وكأنها «دولة حرب» بكل ما للكلمة من معنى، حيث يقف الجميع وراء الجيش الذي يخوض حرباً وجودية كما أعلنها أكثر من سياسي إسرائيلي، وذلك بغض النظر عن تحركات بعض الشارع اليهودي المتمحورة حول موضوع ضرورة إطلاق المحتجزين وضرورة إبرام صفقة تبادل مع حماس. واللافت أن تحركات الشارع التي بلغت حجماً غير مسبوق وشملت قطاعات ونقابات لم تشارك سابقاً في التحركات، يبدو أنها لم تصل بعد إلى آذان المسؤولين في حكومة الحرب الذين ما زالوا يدعمون نتنياهو، باستثناء بعض خصومه الذين يحاولون استثمار تحركات الشارع على المستوى السياسي لا أكثر ولا أقل. فإسرائيل كانت ولا زالت تشكّل دولة حرب حيث يشكّل عديد المجندين فيها حوالي 1.5 مليون مجند بحيث أن شوارع المدن لا سيما تل أبيب تعجّ بصفوف العسكر، فيما القدس تعجّ بصفوف المتدينين اليهود أو ما يعرف باليهود الأرثوذكس الـ ULTRA، وهكذا ينقسم الشارع الإسرائيلي بين العسكر والمتدينين. من هنا فإن الدولة العبرية لا يمكن أن تعيش إلّا من ضمن توظيف القوة العسكرية عملانياً والكسب المادي المتأتي من المساعدات الأميركية، التي تشكّل الدولة العبرية قاعدة متقدمة لها في الشرق الأوسط.
الرئاسة والفراغ
يجمع كل القادة اللبنانيون ولا سيما المسيحيين منهم أن الفراغ السياسي في لبنان ناجم عن الفراغ في سدة الرئاسة، وبالتالي لا مجال لحل الأزمة السياسية المتحكمة في البلد إلّا من خلال البدء بانتخاب رئيس للجمهورية، فالرئاسة وبالرغم من صلاحيات الرئيس المحدودة نوعاً ما، لم تزل تشكّل رأس الهرم ومنها تنطلق كل السلطات الدستورية التي بدونها لن يستقيم الوضع ويتركز البلد على السكة الصحيحة. وفي هذا الإطار وبالرغم من انشغال العالم بحرب غزة والانتخابات الأميركية، فإن المبادرات لم تنقطع لإيجاد مخرج لانتخابات الرئاسة اللبنانية، وفي هذا الإطار تتحرك اللجنة الخماسية بمواكبة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان. وبين المبادرات والتحولات الإقليمية والدولية تبقى الرئاسة اللبنانية موضع اهتمام أكثر من مرجع إقليمي ومحلي، وبالرغم من التحركات الدولية فإن اللبنانيين يتحمّلون الجزء الأكبر من المسؤولية، بحيث تبقى الكرة في الملعب اللبناني، فمن يريد الخير عليه العمل لتحقيقه، وذلك بغض النظر عن موقف هذا الطرف الخارجي أو ذاك.