تصطدم المبادرات والمساعي المحلية الرامية الى انتخاب رئيس الجمهورية بالعوائق نفسها التي حالت حتى الآن دون تحقيق هذا الهدف . لذلك فان الانطباع السائد عند اوساط القوى السياسية على اختلاف ميولها، ان الملف الرئاسي مرشح للبقاء في الثلاجة حتى اشعار آخر .
وعلى الرغم من زحمة هذه المساعي ، فان الاجواء التي احاطت وتحيط بها غير مشجعة، ولا تؤشر الى امكان احراز اي تقدم يخرج هذا الملف من دائرة الازمة، ويضعه على سكة الحل .
وعشية انهاء كتلة “اللقاء الديموقراطي” جولتها على الكتل والقوى السياسية ، يبدو واضحا ان مسعاها اصطدم بالدرجة الاولى بتشدد وتصلب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، ورفضه للحوار تحت اي تسمية او شكل ، واصراره على الذهاب الى جلسة انتخاب مفتوحة بدورات متتالية ، رغم معرفته مسبقا بان هذا المسار غير قابل للتطبيق او النجاح في آن معا لاسباب عديدة ابرزها :
– اولا ان التوازن والمعادلة تحت قبة البرلمان، لا تسمح من دون الحوار او التشاور بتحقيق الحد الممكن من التوافق لانتخاب الرئيس، حتى لو بلغ عدد الدورات المئة .
– ثانيا ان الرئيس بري انطلاقا من هذه الحقيقة التي اكدتها الجلسات السابقة ، جدد التأكيد منذ يومين بشكل حازم وجازم ان التشاور هو الممر الاجباري لانتخاب الرئيس.
وقبل ان ينطلق “اللقاء الديموقراطي” وقبله كتلة “الاعتدال الوطني” في مسعاهما ، كان لديهما قناعة مسبقة بان اي مبادرة او محاولة لانتخاب الرئيس، لا يمكن ان تقوم في ظل سياسة القطيعة او في غياب الحوار والتشاور .
ورغم تمايز موقف كتلة “الكتائب” ومعارضين آخرين عن موقف “القوات” في الشكل، وقبولهم او عدم ممانعتهم الدخول في التشاور، فان شرطهم بسحب ترشيح سليمان فرنجية يعني عمليا اسقاط التشاور مسبقا .
ومنذ ان قرر “اللقاء الديموقراطي” اطلاق مسعاه، وضع نصب عينيه السعي الى تخفيض سقوف المواقف، وايجاد مساحة مشتركة تفتح الباب للتشاور، وتجاوز التحفظات والخلافات حوله . ويقول احد اعضاء اللقاء ” اننا منذ البداية لم نغال في توقعاتنا ، وكنا ندرك صعوبة احراز نجاح في مسعانا . لكن تحركنا جاء في ضوء ما لمسناه مؤخرا بان هناك حاجة لتعزيز الجهود الداخلية ، لايجاد ثغرة في جدار الازمة ، وانه لا يجوز ان نبقى مكتوفي الايدي ونستسلم للامر الواقع “.
ومع قرب انهاء جولة “اللقاء الديموقراطي” دخل رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل على خط المساعي الرئاسية ايضا، تحت عنوان اصطفافه في المعسكر الوسطي بين الممانعة والمعارضة . ويحاول في مسعاه التمايز عن باقي المعارضين لسليمان فرنجية، بتأكيده على القبول او ضرورة الحوار والتشاور للتوافق على رئيس الجمهورية، ما يجعل موقفه هذا متلائما مع ما يدعو اليه بري . لكن طريق مسعى باسيل ليس معبدا ، لا سيما ان طريق معراب مقطوعة امامه في كل الاحوال، لذلك اختار “الكرّوسة الى الصيفي” لتسويق افكاره، فالتقى “الكتائب” ونواب المعارضة، وبينهم عضو كتلة “القوات” غسان حاصباني .
من هنا ، فان مسعى باسيل محاصر بالدرجة الاولى من جعجع ، ومستهدف من جهات اخرى داخل فريق الممانعة، وتحديدا رئيس “تيار المردة” فرنجية، الذي افرد له في خطابه بذكرى اغتيال والده مقطعا من الاستهداف والتصويب المباشر .
وعلى محور كتلة “الاعتدال الوطني” يدور الحديث عن انها تراجعت عن استكمال حراكها، رغم جرعة المقويات التي اعطتها لها “اللجنة الخماسية” بعد اجتماعها الاخير . ورغم تأكيد مصادر الكتلة ان مبادرتها ما زالت قائمة، وانها تتقاطع مع مسعى “اللقاء الديموقراطي” ، تقول مصادر مطلعة ان تجميد تحركها مرتبط بموقف سعودي غير معلن، لا يحبذ فكرة عقد طاولة حوار او تشاور في الوقت الراهن ، وربما يكون هذا الموقف قد شجع جعجع على التشدد. ولا تستبعد المصادر ايضا ان تكون الخلافات بين اعضاء الكتلة ساهمت وتساهم في تجميد مسعاها ، لافتة ان بعض اعضائها لا يخفي تفهمه العلني والكامل لموقف بري .
واذا كانت المساعي المحلية تدور في حلقة مفرغة ، فان “اللجنة الخماسية” تنام على حرير بيانها الاخير حتى اشعار آخر، بعد ان رمت كل المسؤولية على الاطراف اللبنانية، رغم ان بعض الدول الاعضاء يمارس ضغوطا وتدخلات، ويضع “فيتوات” في شأن الملف الرئاسي ، وهذا ما لفت اليه مؤخرا الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله . وبعد اجتماع اللجنة الاخير ، برز تحرك متجدد لكل من قطر وفرنسا، في اشارة واضحة لتحمسهما من اجل المساعدة المباشرة لانتخاب رئيس الجمهورية ، وتمثل ذلك بزيارة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان، واستقبال الدوحة لمزيد من الوفود اللبنانية.
ووفقا للاجواء الاخيرة، فان المسؤولين القطريين والفرنسيين شجعوا “اللقاء الديموقراطي” من موقعه المميز على القيام بمسعاه الرئاسي، لتقريب المسافات بين فريقي المعارضة والممانعة .
وفي غمرة هذا التوج، جاءت المفاجأة اول من امس من باريس حيث مني حزب الرئيس ماكرون (النهضة) بخسارة قاسية في انتخابات البرلمان الاوروبي، وحقق اليمين المتطرف فوزا كبيرا ، ما حمل الرئيس الفرنسي غلى اتخاذ خطوة غير محسوبة بحل البرلمان الفرنسي والدعوة الى انتخابات مبكرة جدا في ٣٠ حزيران الجاري .
هل سينعكس هذا الحدث على الدور الفرنسي بشأن الملف الرئاسي في هذه المرحلة ؟
يقول مصدر نيابي ان القمة بين الرئيسين بايدن وماكرون ركزت في شأن الملف اللبناني على الوضع في الجنوب ، وتركت الملف الرئاسي لمتابعة فرنسية مباشرة واساسية بواسطة الموفد الرئاسي لودريان ، لكن الزلزال السياسي في فرنسا سيؤثر حتما في الدور واهتمام باريس بالاستحقاق اللبناني، لان الاولى لها اليوم الاهتمام باستحقاقها الانتخابي . ويضيف المصدر ان انشغال الفرنسيين بازمتهم واستحقاقهم ، سيحجب دورهم تجاه الملف الرئاسي اللبناني الى حد كبير لاكثر من شهرين ، لا سيما ان الالعاب الاولمبية التي ستستضيفها فرنسا في ٢٨ تموز المقبل، ستأخذ ايضا حيزا كبيرا من الاهتمام الفرنسي على مستويات عديدة .
ويرى المصدر ان واشنطن لا تضع اصلا نصب عينيها في الوقت الحاضر الملف الرئاسي اللبناني ، وهي تضع على رأس جدول اعمالها : حرب غزة وجبهة الجنوب اللبناني المشتعلة .
ويكاد الموقف السعودي يكون صورة طبق الاصل للموقف الاميركي، مع اختلاف في التعاطي مع تفاصيل الاسماء المرشحة للرئاسة .
ويختم المصدر النيابي ” لا ارى اي حلحلة على اي مستوى من المستويات في المرحلة الراهنة، فالمساعي الداخلية هشة في ظل الانقسام العمودي الحاد الحاصل ، وهناك اعتقاد ايضا ان “اللجنة الخماسية” اخذت اجازة غير محدودة ، بل ان هناك من يتساءل اذا كانت اسدلت الستار على دورها بعد بيانها الاخير”؟