اختلفت مبادرة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الرئاسية عن سابقاتها بأمرين أساسيين: الاول إشتراط آلية للتشاور ومهلة زمنية، بحيث تُعقد المشاورت للتفاهم والتوافق على اسماء مرشحين للرئاسة، وضمانة للمعارضة بأن يكون التشاور استثنائياً لمرّة واحدة، بحيث لا يتكرّس عرفاً دائماً. والامر الثاني، السعي الى تكوين قوة نيابية وسطية يمكن ان تفتح ثغرة في جدار الاستحقاق الرئاسي.
ثمة تفاصيل اخرى في مبادرة باسيل، لكنها تتقاطع مع «مبادرات توافق كتل المعارضة بشكل خاص على المرشح الثالث الوسطي». ما يعني الطلب من ثنائي «امل» و»حزب الله» التنازل عن ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنحية، اضافة إلى انّ باسيل يعلن رفضه ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون، وكل ذلك قبل حصول التشاور والتوافق. وهذا امر غير مقبول لسببين:
السبب الأول، انّه يعني ضرب إحدى نقاط مسعى «الخماسية» الذي لا يطرح اسماء مرشحين بل يركّز على التشاور والتوافق.
والسبب الثاني، يعني فرض خيار آخر على طرف سياسي سبق وحسم خياره بترشيح فرنجية، كما سبق وحسمت المعارضة مع «التيار الحر» خيارهما بالتقاطع على اسم جهاد ازعور وما زالا متمسكين به. فكيف يمكن طلب او فرض سحب ترشيح اي شخص يتيح له الدستور الترشح للرئاسة الاولى إذا تمتع بالشروط الدستورية؟ وكيف يمكن طلب او فرض اختيار اسم معين على قوى سياسية وكتل نيابية وازنة في البلد؟
كما انّ نواب قوى المعارضة اكّدوا في بيانهم بعد لقاء باسيل «انفتاحهم على المشاورات المحدودة زمنياً، بعيداً من اي تكريس لأعراف جديدة تخالف الأصول الدستورية، وغير مشروطة بأي شكل من الاشكال، خصوصاً لجهة فرض مرشح بعينه»! أليس في هذا الطرح شيء من التناقض او طرح الشيء وضدّه. التشاور لا يلغي حق اي شخص بالترشح ولتكن منافسة. فمن جهة يطلب باسيل وبعض اركان المعارضة سحب ترشيح فرنجية، ومن جهة ثانية يطلبون من القوى الأخرى الموافقة على مرشح آخر او تبقى العملية الانتخابية معلّقة. مع انّه بإمكان المعارضة والتيار التوافق على اسم اي مرشح او اكثر يريدون، كما سبق وتفاهموا على ازعور، ويذهبون بالأسماء الى جلسات التشاور ومن ثم الانتخاب. فما زالت إمكانية طرح مرشحين آخرين إلى جانب فرنجية قائمة ما يعني التنافس بينه وبين من يتوافق عليه أطراف المعارضة، الّا إذا كانت المعارضة غير واثقة من فوز مرشحها، بخاصة أنّ بيان نواب المعارضة بعد لقاء باسيل اشار الى استمرار التقاطع على جهاد أزعور.
ويُذكر أنّ باسيل صرّح بعد لقائه الرئيس نبيه بري صباحاً: «لن ننجح في انتخاب رئيس من دون نسج تفاهم، والتفاهم يكون على رئيس توافقي، ومن هنا كانت فكرة التشاور أو الحوار». فكيف يكون التشاور سليماً إذا كان مقتصراً على اسم مرشح واحد توافقي؟ ولماذا لا يكون هناك أكثر من اسم؟ ولماذا يتمّ التركيز على الاسم لا على البرنامج والتوجّه العام لإنقاذ البلد، بخاصة انّ لرئيس الجمهورية صلاحيات محدودة وهي مقيّدة تنفيذياً بحسب مواد الدستور، وللحكومة مجتمعة الدور الأكبر في السلطة التنفيذية.
كما انّ رفض المعارضة للتشاور قبل جلسات الانتخاب، يعني عملياً محاولة فرضها توجّهات معينة وربما اسماء معينة، وهي تأخذ على خصومها انّهم يريدون من التشاور فرض اسماء وتوجّهات معينة. وفي هذه الحالة اذا استمرت قوى المعارضة برفضها، واستمر «التيار الوطني الحر» حائراً بين هذا وذاك، فلن يحصل تقدّم في الملف الرئاسي.
وثمة أمر آخر يجدر التوقف عنده هو إمكانية تشكيل قوة وسطية نيابية ناخبة في ظل الانقسام الحاصل واختلاف التوجّهات. فهل الامر بهذه البساطة والسهولة لمجرد أن حصل تفاهم بين باسيل وبعض القوى السياسية على مبدأ التشاور؟ انّه سؤال من الصعب الإجابة عنه حالياً الى حين انتهاء الحراك الذي يقوم به «التيار الحر» و»الحزب التقدمي الاشتراكي» وظهور نتائجه الفعلية.
الأمر الإيجابي الوحيد ربما لدى المعارضة هو طلب التزام الحضور من كافة الكتل، تطبيقاً للمادة 74 من الدستور وعدم تطيير النصاب، وهو امر اكّد عليه الرئيس بري اكثر من مرّة، إذا حصلت جلسات التشاور وخرجت بتفاهم يليه عقد الجلسات الانتخابية.