المتفق عليه اساسا ان فكرة الحوار جاءت لتجسد ما هو مرجو بالنسبة الى سد الفراغ الرئاسي، حيث كان هذا الموضوع اولوية على جدول الاعمال. اما كيف تحول الى مادة سياسية سجالية فعلمه عند من يعرف كيف يستخدم الفيتو – النصاب لمنع انتخاب الرئيس، من غير ان يعني ذلك ان الحوار قد توقف لهذا السبب جراء جدول مواقف وشروط واستنسابات الهدف منها البحث في كل شيء باستثناء الاستحقاق الرئاسي الذي بات يشكل عقدة دستورية – ميثاقية من شأن الاستمرار في دوامتها تعزيز عوامل الدوران في حلقة مفرغة؟!
السؤال المطروح من جانب المراقبين يشدد على ماهية البحث في جنس الملائكة طالما ان لا مجال امام ترجمة ما هو مرجو لتجاوز التعقيدات التي يقال عن انها ناجمة عن لعبة سياسية قذرة من الصعب تقبلها، ان لجهة فهم ما هو مرجو للخروج من النفق او لجهة اختراع مخارج سياسية يفهم منها ان من الضروري المحافظة على الاولوية.
هذا التوجه من المستحيل التوقف عنده لان هناك مصالح شخصية وارتباطات ينظر اليها على اساس ان لا مجال للبحث في الاستحقاق الرئاسي قبل البحث في ما قد يشكل المزيد من التعجيز قياسا على ما هو مطلوب قبل الخوض في ما لا طاقة لتقبله من ضمن ما هو مرسوم للمنطقة ككل. اضف الى ذلك ان الذي يمنع انتخاب الرئيس هو استمرار مقاطعة الجلسات المخصصة لذلك، لاسيما ان من يتلطى وراء هذا المرشح او ذاك يعرف سلفا ان لا مجال امامه لان يربح المرشح الذي يسانده وهذا المشهد يتكرر من ضمن التوغل في التعقيد ليس الا (…)
في النتيجة من الواجب تحميل الذين يصرون على منع الانتخابات مسؤولية الضياع السياسي الذي يصر عليه البعض اعتقادا منهم ان لا مجال لان يكون عندنا رئيس في المستقبل المنظور، خصوصا عندما يتعلق الامر بتفضيل مصالح خارجية على حسابات المصلحة الوطنية العليا. وليس المقصود بذلك ان فئة واحدة مسؤولية عن تضييع البوصلة السياسية طالما ان نتائج التعقيد واحدة.
واللافت في هذا الصدد، انه لا يكفي القول ان بعض من يسير وراء هذا المرشح الرئاسي غير قادر على تزكيته حيث التوازن قائم بين من بوسعه منع المرشح الخصم من الوصول الى قصر بعبدا وهذا بدوره من ضمن الستاتيكو الذي يبقي الحال على ما هي عليه، فضلا عما يقال في هذا المجال عن ان مصير الرئيس يتوقف على مصير الحرب في سوريا، بما في ذلك مصير اللعبة الدولية التي تشارك فيها روسيا الاتحادية والجمهورية الاسلامية في ايران. كما يشارك حزب الله في ما يخدم مصلحة ايران الجاهزة دائما وابدا لان تورط لبنان وحزب الله في ما لا طاقة للاثنين على قول كلمة لا، لان النتائج ستكون لمصلحة الخارج (…)
وما يثير المزيد من التساؤل هو خروج مؤتمر الحوار عن اولويات البحث في ما هو مرجو، قناعة من بعضهم (حزب الله) ان احدا لن يكون قادرا على انتخاب رئيس للجمهورية طالما انه في غير وارد تغيير مواقفه ونظرته الى ما يجب ان يكون عليه الوضع العام في لبنان؟!
لقد علق بعضهم الامال على امكان تطور الوضع ايجابا في العراق، لكن الحال السائدة في سوريا وضلوع حزب الله في الحرب هناك مع ما هو حاصل في اليمن، لم يعد يسمح ببارقة امل، لاسيما ان القمة العربية في موريتانيا اكدت ما يفهم منه ان العرب في واد ومشاكل لبنان في واد اخر ما يجيز القول ان الدول العربية القادرة لحل مساعدة لبنان بحاجة ماسة الى من يمد لها يد المساعدة ليست لانه لا تريد ذلك، بل لانها متورطة بمشاكل اقليمية ودولية وهي غير قادرة على مواجهتها.
يبقى القول ان لبنان في حال بعيدة عما يشير اليه البعض من مخاوف امنية محتملة، فضلا عن اننا افضل حالا مما هو حاصل في سوريا والعراق واليمن وليبيا والبحرين حيث تتفاقم الامور هناك باتجاه الاسوأ بكثير مما هو حاصل عندنا، من غير حاجة للادعاء ان بوسعنا تحمل المزيد من الانهيار في المؤسسات وفي الدستور، مع العلم ايضا ان التأخير في انتخاب رئيس للجمهورية قد لا يشكل نهاية المطاف، ربما لان بعضهم مقتنع بنصيبه في السلطة من غير حاجة الى رئيس؟!