أعاد رئيس الجمهورية ميشال عون إطلاق ثلاث لاءات رئاسية؛ لا للتمديد، لا للستين، لا للفراغ. وقرنها بتأكيد جازم بالوصول الى قانون انتخابي جديد.
يبدو أنّ الرئيس يريد من خلال هذه اللاءات، ان يصدم المناخ الداخلي المعطل، والذي تفوح منه رائحة تمديد لمجلس النواب او العودة الى قانون الستين كأهون الشرور.
السؤال الفوري الذي تفرضه لاءات الرئيس: أيّ قانون جديد؟
اذا ما نزلنا الى ارض الواقع تتبدى حقيقة انّ محاولات البحث عن قانون جديد خجولة حتى لا نقول منعدمة، وكأنّ بعض السياسيين أسقطوا صفة الاستعجال عن هذا الملف الحساس، وسلّموا بالأمر الواقع القائل باستحالة الوصول الى صيغة انتخابية توافقية وتراعي كل المكونات، في ظل الانقسام الحاد في الرؤى والنظرة الى القانون العتيد.
اذا كان القصد الرئاسي من وراء الجزم بالوصول الى قانون جديد، هو قانون من بين الصيغ التي طُرحت وجُرّبت وفشلت في جمع الاطراف حولها، ففي هذه الحالة يكون الرئيس كمن يحاول ان يكرر حفر الجبل بإبرة، خصوصاً انّ الجواب البديهي هو الفشل المسبق لهذه الصيغة وقبل ان تطرح.
ولكن اذا كان من وراء القصد إعلان غير مباشر بأنّ الرئيس يملك «صيغة جديدة»، مختلفة شكلاً ومضموناً عن كل الصيغ السابقة او الفاشلة، وسيطرحها في القريب العاجل ويحشر فيها الاطراف جميعها في الزاوية، فهنا الامر يختلف، ويوجب رصد الخطوة التالية للرئيس.
ولنفرض انّ طرح صيغة جديدة ما، فما هي حظوظها والأهم ماذا لو فشلت هي الاخرى. وماذا في يد الرئيس ان يفعل في هذه الحالة.
لا احد يجادل في صدق توجّه الرئيس لرفض الابقاء على قانون الستين، الذي أسقطت عليه كل الصفات السيئة، وكذلك لرفض التمديد لمجلس النواب بوصفه خياراً شاذاً عن كل المبادىء والقواعد القانونية، وايضاً لرفض الوصول الى الفراغ.
ولكن هل يستطيع رئيس الجمهورية وحده بما أوتي من صلاحيات دستورية او من معنويات سياسية وجماهيرية ان يمنع الوصول الى ايّ من الخيارات الثلاثة، إن لم يكن هناك مفرّ من الوصول الى واحد منها؟
قبل الانتخابات الرئاسية ووصول عون الى الموقع الاول في الدولة، كان الرئيس وحده مرشحاً قوياً لرئاسة الجمهورية. ورغم كل ما يتمتع به من قوة شعبية ورغم كل الشعارات التي رافقت ترشيحه ورغم كل الحراك الذي اعتمده عون نفسه ومعه التيار الوطني الحر، لم يتمكن الرئيس ولا التيار من تحقيق هذا الهدف، بمعزل عن سائر المكونات السياسية الموجودة في البلد، حتى ان وقوف حليفه القوي «حزب الله» معه في هذه المعركة لم يمكّنه ايضاً من تحقيق هدفه.
فكان الفراغ الرئاسي الذي عمّر لأكثر من سنتين، ولعب «حزب الله» الدور الاساسي في منع وصول مرشح الّا عون ومع ذلك لم يتمكن من فرض انتخابه.
اقصى ما جرى كان تعطيل نصاب جلسة الانتخاب بالشراكة مع حلفائه، قاطعاً الطريق على وصول سمير جعجع بأكثر من 40 جلسة بلا نصاب، وكذلك على سليمان فرنجية الذي كاد ان يتمكن في لحظة معيّنة من تحقيق هدفه الرئاسي.
معنى ذلك انّ عون، ورغم كل قوته السياسية والشعبية لم يتمكن من الوصول الى الرئاسة، الّا بعدما بدّل جعجع موقفه، وكذلك سعد الحريري الذي وافق على السير بانتخاب عون، والنتيجة الطبيعية التي ظهرت هي انّ المكونات الاخرى صفقت رئاسياً مع عون فتمّ انتخابه رئيساً.
بمعنى اوضح انّ قوة عون وحدة معطوفة على القوة المستمدة من تحالفه مع «حزب الله» لم تتمكن من فتح باب القصر الجمهوري الّا بعد الاستعانة بالآخرين والشراكة معهم. وآخرهم الحريري الذي فتح بقبوله ترشيح عون باب قصر بعبدا أمامه.
اليوم، هناك مسار انتخابي معقد، هناك قانون انتخابي نافذ لكن معطّل سياسيّاً، ولا قانون جديداً، وثمة استحالة في دفع القوى السياسية كلها الى الوقوف على مساحة انتخابية مشتركة.
وامام ضغط الوقت وقرب انتهاء الولاية المجلسية من دون اي تقدم يذكر نحو قانون او حتى توافق على اعداد قانون، ثمة امر مخيف اسمه «الفراغ» المجلسي الذي يتهيّبه كثيرون، الرئيس بري ومعه «حزب الله» والحريري ووليد جنبلاط وقوى اخرى بما فيها المقامات الروحية.
كل هذا التعقيد الواضح يضع البلد على مفترق بين ثلاثة اتجاهات أحلاها مرّ:
– التمديد لمجلس النواب.
– العودة الى قانون الستين على اعتبار انه قانون نافذ.
– الفراغ القاتل.
خطورة هذا الفراغ ليست فقط في بلوغه، بل في اختلاف النظرة اليه والتفسيرات المتضاربة حوله. فالرئيس عون يرى انّ الدستور يرعى حالة الفراغ وفق المادة 74 من الدستور. فيما التفسيرات الاخرى التي يتبناها بري وحزب الله والشريحة الواسعة من السياسيين ورجال القانون تقول ان لا صلة لهذه المادة بحالة الفراغ المجلسي الذي قد يقع فيه لبنان بعد 20 حزيران إن لم يتم تداركه من الآن، بل هي تتعلق حصراً بحالة حل المجلس وليس اي امر آخر.
وتقترن هذه التفسيرات بتحذير من بري تحديداً من «الفراغ القاتل»، وقوله انّ انتهاء ولاية المجلس بعد 20 حزيران بلا قانون جديد او انتخاب مجلس جديد لأيّ سبب كان، يعني الفراغ ومعنى ذلك انتهاء الدولة بما فيها رئاسة الجمهورية والحكومة وكل السلطات ويشاركه في ذلك حزب الله ووليد جنبلاط وقوى سياسية اخرى. والمهم بقاء الدولة.
بالأمس قال الرئيس عون: يحلم من يقول بالستين او التمديد او الفراغ، ولكن ماذا لو جرت الرياح الداخلية بما لا تشتهي السفن الرئاسية؟
– أولاً لقد سبق للرئيس ان امتنع عن توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة لقطع الطريق على قانون الستين. ولكن هل قطعت الطريق فعلاً؟ ثم كيف سيمنع التمديد في جلسة 15 أيار المقبل او العودة الى الستين مجدداً اذا ما قرر مجلس النواب ذلك؟
المسألة ليست مسألة شعارات ومواقف، إذ ليست لها اي مفاعيل إلزامية، بل هي مسألة نص دستوري يرعى هذه الحالات، وهي ملزمة للجميع بمن فيهم الرئيس وكذلك مجلس النواب وسائر المؤسسات والرئاسات.
فكلام الرئيس في هذه الحالة لا يمكن اعتباره قفزاً فوق الدستور، بل يمكن ان يعتبر محاولة متجددة منه لحثّ القوى السياسية على وقف المماطلة وتضييع الوقت والدخول جدياً في معركة توليد القانون الجديد، وهو في هذه الحالة يلقي الكرة بالدرجة الاولى في ملعب الحكومة وعون جزء منها، لكي تخرج من حال الاسترخاء غير المبرر وتنكبّ على التصدي لهذا الملف خصوصاً انّ الوقت صار ضاغطاً الى الحد الأعلى.
هل في يد الرئيس ما يمكنه من منع التمديد او الستين؟
اولاً: لقد سبق للرئيس أن استخدم ما اعتبره حقه في عدم توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة على اساس الستين وكذلك منع تعيين هيئة الاشراف على الانتخابات، لقطع الطريق على قانون الستين. مع انّ المبدأ القانوني يقول «اعمال القانون وليس اهمال القانون». فضلاً عن انّ قرار المجلس الدستوري في العام 2014 قال آنذاك بعدم جواز ربط اجراء الانتخابات بقانون الانتخابات.
ثانياً: سبق للرئيس ان استخدم حقه في منع انعقاد المجلس النيابي شهراً وفق المادة 59 من الدستور. ولم يعد في إمكانه استخدام هذا الحق مرة ثانية في عقد الانعقاد النيابي الحالي. وبالتالي ليس لدى الرئاسة الاولى ما يمكنها قانوناً ودستوراً من منع انعقاد جلسة 15 ايار لإقرار التمديد.
امام هذا المشهد فإنّ البلد مقبل على السيناريو التالي:
– تنتهي مهلة تعطيل الشهر في 12 ايار.
– ينعقد المجلس في جلسة تشريعية في 15 ايار في حضور ما يزيد عن 75 نائباً (في غياب نواب التكتل والقوات).
– تقر الجلسة اقتراح النائب نقولا فتوش المقدم بصفة المعجل المكرر، بأكثرية كبيرة.
– يوقع رئيس المجلس القانون المعجل فوراً ويحيله الى رئاسة الجمهورية لنشره.
– هنا رئيس الجمهورية مقيّد بأحكام المادة 56 من الدستور التي توجب عليه اصدار القانون المعجل خلال خمسة ايام او ردّه. وهنا وانسجاماً مع موقفه من الطبيعي ان يرد الرئيس القانون الى المجلس لإعادة النظر فيه.
– يعقد المجلس جلسة سريعة ويتمسك بالقانون، ومن ثم يحيله رئيس المجلس بالطريقة ذاتها الى رئيس الجمهورية. هنا إمّا ان ينشر الرئيس القانون واما ان يمتنع. وفي حال امتنع ففي هذه الحالة وبعد انقضاء مهلة الخمسة ايام يصبح القانون نافذاً حكماً وبالتالي يدخل التمديد حيّز التنفيذ.
– قد يبادر الرئيس او تكتل الاصلاح والتغيير الى الطعن بالقانون امام المجلس الدستوري لإبطاله. هنا احتمال قبول الطعن صعب خصوصاً انّ للمجلس تجربة سابقة حيث رد طعناً مشابهاً بالتمديد للمجلس.
يستحضر هذا السيناريو تساؤلات عمّا يمكن ان يفعل الرئيس ان سار هذا السيناريو كما هو مرسوم. وماذا يمكن ان يفعل التيار والقوات، هل العودة مجدداً الى الشارع، وهل يمكن لهذا الشارع أن يمنع انعقاد الجلسة. او يمنع وصول النواب الى ساحة النجمة؟ وماذا اذا كان في المقابل من يصرّ على ايصال النواب الى المجلس مهما كلف الامر… وبالتالي إقرار التمديد؟
واضح انّ كل الوقائع المحيطة بالملف الانتخابي توحي بأنّ الاشتباك السياسي حاصل لا محالة، ولكن الى اين سيصل وما هو تأثيره على العهد اولاً ثم على البلد بشكل عام ؟ هذا ما سيجيب عليه القادم من الايام. الّا اذا كان الامر الواقع أقوى من الجميع فيسلّمون به راضين مرضيين.aa