IMLebanon

مناورات رئاسية والجلسة 36 رهينة «الثلث الخاطف»

لا مفاجآت ولا سيناريوهات ولا نِصاب في الجلسة الـ 36 لانتخاب رئيس للبلاد، بل نوّاب معطّلون مستمرّون في الصوم عن إسقاط ورقتهم في صندوقة الاقتراع، ينتظرون لعبَ ورقتهم الأخيرة، ومرشّحان صائمان مستمرّان في التغيّب عن حضور جلسة انتخابهما، وشكر أكثر من 72 نائباً حضَروا لانتخابهم متخطّين النصفَ زائداً واحداً! إلّا أنّ المناورات الرئاسية تشابكت، ويبدو أنّها مستمرّة… إلى ما بعد «يوم القيامة».

حين سُئل الغائب الحاضر الأبرز عمّا إذا كانت تلك «القيامة ستقوم» بين كتلة «المستقبل» و«حزب الله»، وسيتوقّف الحوار بعد إعلان دول مجلس التعاون الخليجي «حزبَ الله» منظّمة إرهابية، ناوَر الرئيس سعد الحريري الذي استفرد بالنجومية أمس في ساحة النجمة ودوَّرَ الزوايا، مؤكّداً أنّه لن يوقف الحوار على الرغم من أنّه يؤيّد مضمون إعلان دوَل مجلس التعاون الخليجي، لأنّ ارتكابات «حزب الله» تُصنَّف إرهابية وهي مدانة، سائلاً في المقابل مع من يتحاور؟ فالحوار يتمّ بين المتخاصمين وليس بينه وبين «سامي الجميّل» أو «القوات اللبنانية».

وبعد تعليق لأحد الصحافيين بأنّ الحريري يلزَمه إذاً حوارٌ أيضاً مع «القوات اللبنانية»، سارَع إلى النفي، وقال ضاحكاً: «لا، نحن والقوات واحد».

إلّا أنّ هذا الخطاب لم يترجَم في القاعة الكبيرة، لأنّ كتلة نواب «القوات» لم تخرق الحشد النيابي الذي تجمهرَ داخل القاعة العامة محاولاً محادثة الحريري بعد غياب عن أروقة المجلس قاربَ السنوات الخمس، فكان الحريري أوّلَ الواصلين، فيما تأخّرَ الرئيس فؤاد السنيورة في الوصول.

وعندما سُئل عن سبب تأخّره وأنّ النواب ملأوا الصندوق بالأوراق، علّقَ ضاحكاً «نيّالُن»، فيما علّق النائب هادي حبيش الذي كان آخِر الواصلين، ليرتفعَ عدد النواب معه إلى 72، بأنّه إذا تأخّر أم لا فالأمر سيّان، لأنّ النواب «مِش ناطرينو تينتخبو»!!

داخل القاعة تسابقَ نواب كتلة «المستقبل» إلى محادثة الحريري، فيما استهلّ الأخير دردشاته مع النائب وليد جنبلاط، وما لبث أن انتقل الى أحاديث جانبية مع النواب أحمد فتفت ومروان حماده ونايلة التويني، فيما دارَت دردشة جانبية بين الوزير علي حسن خليل وجنبلاط.

النصاب تخطّى النصف زائداً واحداً، وبدا النائب عمّار الحوري ممسِكاً بالورقة والقلم ومنهمكاً مع الحريري ونوّاب الكتلة باحتساب «البوانتاج»، لكنّ حسابَ الحقل لم يطابق حساب البيدر. ولم يمنع الصوم عن إسقاط الأوراق في الصندوقة الخشبية النوّابَ، ولا سيّما نواب «14 آذار»، من الكلام، وتحديداً نوّاب «المستقبل» والسنيورة الذي لم يتسنَّ له سماع كلمة الحريري، لأنّه كان مجتمعاً مع النائب جورج عدوان.

أمّا الحريري الذي بدا مهادناً خصومَه في جلسة الأمس أكثر من أعضاء كتلته، فلم يستطع لجمَ نوّاب «المستقبل» عن إعلاء النبرة، ولا سيّما أنّ فتفت سارع إلى التصريح قبل وصول الحريري إلى قاعة الصحافة، فعلّق على قول السيّد حسن نصر الله أنّ «الكلام عن تحكّم حزب الله بلبنان هو نكتة»، مؤكّداً أنّهم يَشعرون اليوم بغياب كتلة «حزب الله» وبتعطيلها جلسة انتخاب الرئيس مجدّداً، على رغم حضور أكثرية المجلس النيابي، وهذا تحَكّم فعلي بلبنان. واعتبر أنّ هذا التطمين يطبّق عليه مبدأ «أريد أن أتَمسكن في الداخل لأتمكّن إقليمياً»، وعندما سيتمكّن إقليمياً سيعود إلى الداخل اللبناني.

الحريري لفتفت: شو خرّبتا ؟!

دخل الحريري قاعة الصحافة ضاحكاً، ومتوجّهاً بالكلام إلى فتفت الذي هَمَّ بالنزول عن المنبر ضاحكاً ليخليَ الساحة للحريري الذي ربّتَ على كتفه قائلاً بصوت خافت: «شو يا أحمد خرّبتا»، غامزاً من قناة رفعِ سقف المواجهة مع حزب الله، فاكتفى فتفت بالضحك ولم يعلّق.

الملفت أنّ أحداً من نواب «القوات» لم ينضمّ إلى الإعلاميين في غرفة الصحافة للاستماع إلى كلمة الحريري، فيما حضَر بعض نواب «المستقبل» والنائب سامي الجميّل الذي أصغى مطوّلاً إلى كلمة الحريري منتظراً دورَه لاعتلاء المنصّة.

الحريري تكلّم بهدوء وثبات ولم تُحرجه أسئلة الصحافيين المصِرّين على معرفة رأيه من إدانة دول مجلس التعاون الخليجي لحزب الله واعتباره منظّمة إرهابية. فأجاب: «إنّ الأعمال التي يقوم بها حزب الله دفعَت دول مجلس التعاون الخليجي لتصنيفه بـ»الإرهابي»، وهذا ما حصَل للجناح العسكري للحزب في أوروبا، ولكن في الموضوع الداخلي نتحاور معه على أساس التهدئة».

أمّا عن نصاب الجلسة الذي ارتفع بقدومه، فأشار الحريري إلى أنّ «الخلافات السياسية ممكِن حلُّها بوجود رئيس للجمهورية بشكل أفضل بكثير من الفراغ الحالي»، متمنّياً على جميع النواب عدمَ تركِ الفراغ القاتل. وعمّا إذا كان سيعيد النظر في خَياره ترشيحَ النائب سليمان فرنجية بعد تغيّبِه عن الجلسة، أكّد الحريري أنّه متمسّك بفرنجية، وهو يتفهّم موقفَه، خصوصاً أنّ هناك أموراً تحتاج لتتبلوَر أكثر عند بعض الفرقاء.

الجميّل… «الجلسة رهينة» بعد كلمة الحريري، تحدّث الجميّل، فأعلن أنّ في لبنان «ثلثاً خاطفاً» للدولة وهو يقول للبنانيين إمّا أن يَحكم وإلّا فلا مؤسّسات، معتبراً أنّ هذا هو الدليل الأكبر على فظاعة التشويه الذي يطاول النظام السياسي في لبنان، داعياً إلى إبقاء الاحتمالات مفتوحة إلى أقصاها.

وتذمَّر الجميّل من المناورات الرئاسية بالقول: «مِن غير المعقول أن يحضر جلسة انتخابية 75 نائباً لينتخبوا مرشَّحين غير موجودين، والذي يتغيّب عن حضور جلسة انتخابية يأخذ لبنان واللبنانيين رهينة، ومعهم مستقبلهم واقتصادهم وصحّتهم»، وطلب من الكتل السياسية إعادة النظر في طريقة تعاطيها مع الاستحقاق.

«الجمهورية» سألت الجميّل إذا كانت الكتائب مستمرّة في نهجها التصعيدي ميدانياً بالنسبة إلى ملف النفايات، خصوصاً بعد التظاهرة الأخيرة، فأجاب: «قطعاً مستمرّون في التصعيد وفي الشارع أيضاً».

السنيورة: خطاب السيّد مخيّب للآمال

في دردشة مع الإعلاميين، شدّد السنيورة على أهمّية الحوار الداخلي بين كلّ الفرقاء، أمّا إذا لم يكن هناك تقدّم في نتيجة الحوار فإنه يضعِف قيمة الحوار. وعلّقَ على الذي حصَل في بيروت والسعديات تحديداً بالقول «إنّ الجميع يعلم أنّ هذه الامور لا يمكن أن تحصل إلّا بإيعاز من المعنيين».

وعن رأيه في تصريح الحريري، قال السنيورة لـ»الجمهورية» إنّه لم يتسنَّ له بعد سماعه، مفضلاً عدم التعليق حالياً على قرار دول مجلس التعاون الخليجي.

أمّا عن رأيه في خطاب نصرالله الأخير، فأجاب بإسهاب قائلاً إنه شَعر بالارتياح في الجزء الأوّل منه، ومِن بعدها انتقل إلى حالٍ من الخيبة الشديدة لا سيّما في قضيتين:

1 – وصف نصرالله كلامه في اليوم الثاني من «عاصفة الحزم» بأنه اليوم التاريخي في حياته، وهذه خيبة شديدة لمن قال يوماً إنّ قضيته الأساس هي صراعه مع إسرائيل.

2- شعرت أنّ السيّد نصرالله يستهين بعقول العرب واللبنانيين حين تحدّث عن موضوع القتلى والدمار في اليمن، وتمنّيت أن يعطف وينفعل مع سوريا التي أصبح عدد ضحاياها 350 ألف قتيل، وأكثر من مليون جريح، وأكثر من نصف الشعب السوري مهجّر من أرضه وخارجها.

وسأل السنيورة: «هل هذا لا يساوي شيئاً في نظر السيّد؟»، وطلب من نصرالله «القليلَ من عدم الاستهزاء بعقول اللبنانيين والعالم»، معتبراً أنّ خطاب نصرالله «كلّه على بعضه شكّل لنا خيبة شديدة».

وفي ملف النفايات، أكّد السنيورة وجوبَ إيجاد حلّ داخلي لهذا الموضوع الذي سيصبح أزمة لبنان الكبرى. وأكّد أنّها مسؤولية الجميع، لافتاً إلى أنّ الحكومة ذهبَت إلى السِند والهند وبلاد تركب الأفيال من أجل حلّ مشكلة النفايات، وعادت إلى الحلّ اللبناني، والجميع يجب أن يُدرك أنّه إذا لم يُسهم في الحلّ، ولا سيّما في الفترة الانتقالية التي من المتوقع أن تكون ثلاثَ سنوات، فستكون النفايات مشكلة يجب أن نتعايش معها، وهذا أمرٌ مستحيل.

في المضمون لم يتبدّل شيء في الجلسة 36، إنّما في الشكل فقط، إذ زَينتها ضحكة الرئيس الحريري الذي حضَر وغادر مبتسماً، ليعلّق البعض: هل سيبقى مبتسماً في الجلسة المقبلة في 23 الجاري أم سيَدفعه «الثلث الخاطف» للجلسات الانتخابية إلى مغادرة لبنان قبل «يوم القيامة»؟