IMLebanon

الإستحقاق الرئاسي جائزة ترضية إقليمية

تتغيّر قواعد التسويات في الإقليم المتفجّر من العراق الى لبنان مروراً بسوريا. يتضاءل تدريجياً دور التفاهمات بين الكبيرين روسيا والولايات المتّحدة ويغيب كلياً الدور الأوروبي في رسم فسيفساء مناطق النفوذ ليرتفع منسوب التّأثير للقوى الإقليمية الناشطة، والتي أظهرت استدامة المعارك على مدى أكثر من خمس سنوات قدرتها على التلاعب ببراعة بالمكوّنات الإثنية والطائفية. صحيح أنّ الولايات المتّحدة ومن خلفها دول غربية وإقليمية نجحت بتأجيج كافة أنواع الاستنفارات المذهبية والعرقية منذ انطلاقة الربيع العربي، وبذلت مجتمعة الجهد الكبير لتشتيت زخم القوى الديمقراطية في معركتها لتغيير النظام في سوريا وفي منع العراق من التقدّم نحو الدولة عن طريق توجيه المسار نحو قتال الإرهاب كأولوية تتقدّم على الإصلاح السياسي وديمقراطية الأنظمة.

لا شك أنّ أولوية الولايات المتّحدة كانت ولا تزال تعميم الفوضى العارمة على امتداد الإقليم، وربما التقت مصالحها مع مصالح بعض القوى الإقليمية التي اعتبرت أنّ تأجيج الصراعات بين المكوّنات هو الطريقة الفضلى لتجنب رياح التسويات السياسية غير المؤاتية. كلّ ذلك ساهم بخروج اللعبة إلى حدِّ كبير من أيدي القوى الدولية وانزلاقها أكثر فأكثر بين أيدي القوى الإقليمية وتحديداً تركيا وإيران اللتين برعتا في رسم مجموعة من الخطوط الحمراء الإقليمية التي لم ترقَ إلى تعديل خرائط الدول، ولكنها رسمت حدوداً لمكوّنات طائفية وعرقية تنذر بأزمات واشتباكات دامية على وقع تضارب المصالح في الإقليم.

 في العراق، على أرض الموصل تشتبك قوات عراقية وتركية وكردية وميليشيات شيعية مع داعش، ولا يرقى ادّعاء رئيس الحكومة العراقية بوجود خطة ناظمة لتدخّل هذه القوات في المعركة إلى الواقعية بصلة. الرئيس رجب الطيّب أردوغان متمسّك بضرورة المشاركة في المعركة برغم قرار الحكومة العراقية لأنّ الموصل جزء من المجال الحيوي للأمن التركي، وهو يُعتبر أنّ طلائع البشمركة التي تشارك في المعركة إنما تلقّت تدريبها في المعسكرات التركية. تركيا متمسّكة بدورها في صياغة مستقبل الإقليم وهي لن تجازف بالخروج من العراق وتعريض مستقبل علاقاتها للخطر سواء مع الإقليم الكردي ورئيسه مسعود البرزاني أو مع قوى سنيّة وازنة في المنطقة. كذلك فإنّه لا يُمكن لتركيا إلاّ أن تراقب تطور الدور الكردي بعد معركة الموصل خوفاً من تحقيق تواصل جغرافي بين إربيل والحسكة يهدد مصالحها.

وعلى الجانب الإيراني، هناك إصرار على إشراك الحشد الشعبي في المعركة وخشيّة من تعاظم النفوذ التركي في العراق حرصاً على عدم قيام إقليم سني في المحافظات الشمالية الغربية في العراق يتصّل مع شمال سوريا وريف حلب ويشكّل حاجزاً يُعيق التمدد الإيراني نحو شرق المتوسط. في العراق يتداخل النفوذ التركي والإيراني في منظومة معقّدة ذات مكوّنات مذهبية وعرقية، تحاول كلّ من تركيا وإيران من خلالها تحقيق أكثر من هدف في آن، وتقدّم نموذجاً جاهزاً للانفجار في أيّة مناسبة.

في سوريا، تتعايش مناطق النفوذ التركية السورية تحت رعاية روسية. نجح الروس في تثبيت اتّفاق مع تركيا آل إلى وقف مدّ المعارضة السورية بالسلاح وتطويق حلب والإبقاء على خطوط آمنة مع النظام في شمال وغرب حلب، مقابل السماح لتركيا بتصفية الوجود الكردي غرب الفرات والسيطرة على مدن جرابلس ومارع ودابق وعدد كبير من القرى في شمال حلب وطرد تنظيم داعش منها. الطموح التركي في شمال سوريا يهدف إلى الاستئثار بقتال داعش في الرقّة على أن تبقى عين تركيا على دخول محافظة الحسكة التي يسيطر عليها الأكراد ويقيمون فيها نوعاً من الحكم الذاتي. أكثر من علامة استفهام مرشحة للظهور حول مستقبل النفوذ الإيراني في سوريا بعد انقشاع مسار التسوية في حلب وحول قدرة إيران على التأثير في ظلّ الوجود الروسي العسكري البري والبحري غير المسبوق. الساحة السورية تضيق أكثر فأكثر أمام الأنشطة والطموحات الإيرانية مع تعاظم النفوذ الروسي ومع ازدياد إمكانية عودة الحياة الى مفاصل النظام في سوريا ومحاولة استعادة جزء من المبادرة الإقليمية. يمثّل التعارض في المواقف من ترشيح العماد ميشال عون بين المكونيّن الشيعيين في 8 آذار نوعاً من التمايز بين الموقفين الإيراني والسوري حيال ضرورة ملء الفراغ الرئاسي وتوقيته وحيال الشخص المناسب لذلك. السلة الشهيرة مثّلت إحدى التخريجات لتأجيل الاستحقاق الرئاسي، والمنازلة المعلنة حول الذهاب إلى جلسة انتخاب فعلية توشي بجدية هذا التمايز، ولكن التسريبات المعلنة حول عرقلة تشكيل الحكومة في حال تكليف الرئيس سعد الحريري تمثّل الذريعة الأبرز للتنافس السوري الإيراني على لبنان.

ما هي حدود التناحر داخل معسكر الممانعة وهل يشكّل الاستحقاق الرئاسي تعويضاً للفريق الإقليمي الخاسر؟

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والاستشارات