بالتلميح والتشبيه وتحديد المواصفات، يُعلن الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله أنّ مرشحه الرئاسي هو رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية. يوصل الرسالة الرئاسية إلى من يعنيهم الأمر من حلفاء ومعارضة ودول مؤثرة، من دون الإفصاح عن اسم فرنجية، لأسبابٍ تكتية لزوم المعركة الرئاسية، ومنها عدم «كسر الجرّة» مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، فتأتي المواصفات الرئاسية التي حدّدها نصرالله على «قياس» كلّ من الحليفين.
بالتوازي تؤكد جهات منخرطة في عملية انتخاب رئيس الجمهورية العتيد، أنّ «الستاتيكو» الرئاسي لن يشهد خرقاً أو تغييراً ضمن فترة متوسّطة الأجل. وبالتالي يلعب «حزب الله» في الوقت الضائع رئاسياً، أو «يضيّع هذا الوقت عمداً»، بحسب مصادر معارضة، موجهاً من خلال هذه المواصفات، ثلاث رسائل:
الأولى، الى الخصوم في الداخل والخارج، مفادها أنّ الطريق الى القصر الجمهوري مقطوع أمام النائب ميشال معوض أو غيره ممّن لا يثق فيهم «الحزب»، مهما تطلّب ذلك من تعطيل وعرقلة و»تطيير» جلسات. وبالتوازي، يدعو إلى «التوافق». وهذا مردّه بحسب جهات سياسية مطّلعة، الى أنّ مرشحي المعركة يختلفون عن مرشحي «التسوية»، ومن هو مرفوض الآن يُصبح مقبولاً في مرحلة لاحقة، بعد أن تكون المعركة أرخت تداعياتها وكلّفت اللاعبين الخسائر اللازمة، فيأتي «زمن التسوية».
الثانية، يطرح نصرالله «مرشح فريق» أو مواصفات «مرشح فريق»، بنحوٍ علني، استباقاً لأي رقم إضافي قد يحقّقه معوض أو اتفاق المعارضة على مرشح آخر من خلال الحراك الذي تقوم به مختلف مكوناتها من «سيادية» و»تغييرية».
الثالثة، موجّهة الى باسيل، وتقصّد توجيهها علناً، لكي يقرأها «الآخرون» أيضاً، فيقول له بحسب مصادر سياسية: «على رغم أنّ حظوظك الرئاسية معدومة، خذ وقتك وحاول رئاسياً، إذا نجحت نكون معك، وإذا اقتنعت باستحالة وصولك، نراهن على اقتناعك أيضاً بضرورة انتخاب فرنجية». لذلك سينتظر «حزب الله» أن يقتنع باسيل بأنّ إمكانية إيصاله الى الرئاسة معدومة، وأنّه لن يتمكّن من أن ينال من أي رئيس أكثر ممّا يمكنه الحصول عليه من حصص وتعيينات مع فرنجية، وبضمانة «الحزب».
لذلك، ترى جهات سياسية عدة، أنّ باسيل، والى الأسباب المعلنة لرفضه انتخاب فرنجية، لا يركّز اهتمامه الرئاسي، حتى اللحظة، على أن يكون صانع الرؤساء أو الرجل القوي في العهد الجديد، بل لا يزال يمنّي النفس بالرئاسة، ويراهن على فرصةٍ ما، من البوابة القطرية أو غيرها، لتبدّل موقف واشنطن منه، من خلال إقناع الأميركيين بأنّه قادر على الوصول إلى اتفاق حول الترسيم البرّي يضمن أمن اسرائيل، وفق المصلحة الأميركية، تماماً كالمسار الذي اتخذه الترسيم البحري. هذا فضلاً عن أنّ باسيل يملك ورقة الضغط مسيحياً على «حزب الله» الذي لا يمكنه أن يتخطّى حليفه رئاسياً أو يخسر غطاءه على المستوى الوطني، إضافةً الى أنّ رئيس «التيار» يدرك أنّ أي اتفاق مع أي رئيس، لن يصمد أكثر من سنتين من عمر العهد، والدلالات التاريخية الى ذلك كثيرة، فكلّ رئيس سيعمل لتعزيز حيثيته، فضلاً عن أنّ عدم وصول باسيل الى رئاسة الدولة يعني عدم استمرارية عهد الرئيس ميشال عون ومزيداً من التراجع في الوضعية الشعبية التي قد يستميلها العهد الجديد.
إنطلاقاً من هذه الوقائع، تبقى العثرة الأساسية أمام اتفاق فريق الثامن من آذار على تبنّي ترشيح فرنجية، في أنّ باسيل لم ينتقل بعد في ذهنه الى مرحلة أن يقبل بأن يكون الرجل الأول في العهد المقبل. لكن حتى لو نجح هذا الفريق في الوصول إلى مرشح، لن تسهّل المعارضة السيادية مهمة «حزب الله» هذه، فهي تواصل سعيها الى تأمين 65 صوتاً لمرشحها، إذ حين يؤمّن معوض الأكثرية المطلقة، تصبح إمكانية لبننة الاستحقاق وصناعة الرئيس في الداخل واردة ومتاحة، بحسب مصادر معارضة، معتبرةً أنّ ورقة معوض تؤتي ثمارها، ولا تزال صالحة، إذ إنّ «حزب الله» الذي كان يراهن على عدم تكوّن معارضة واضحة بعد الانتخابات النيابية إنطلاقاً من المعارك المجلسية والحكومية التي خسرتها، يواجه الآن فريقاً ثابتاً على موقفه ومرشحه، فيما هو غير قادر على إعلان مرشحه حتى الآن.
كذلك تعتبر «المعارضة السيادية» أنّ الاستمرار في التمسك بورقة معوض «أربح» وأضمن من الانتقال الى خطة أخرى، إذ مع هدر مزيد من الوقت، سيزداد الضغط الشعبي على الفريق المُعطّل، إن كان فريق الورقة البيضاء أو فريق «التغييريين» الذي يبتدع أسماء لـ»التسلية»، إضافةً الى أنّ تأمين 65 صوتاً لمعوض يخلق واقعاً رئاسياً مغايراً، يدفع المجتمع الدولي الى التحرُّك جدياً ويخلق رأي عام داخلياً وجواً مسيحياً ضاغطاً تقوده بكركي. وبالتالي تسأل مصادر معارضة: «لماذا نتخلّى عن ورقة معوض؟ وأي ورقة «رابحة» أكثر، لبنان الكبير أم الصغير؟».