في وقت تشتعل فيه المنطقة بالحرائق وتختفي به بنية دول لتتشكل أخرى محلها، وفي وقت يسعى فيه المعطلون الى نسف بنية الدولة وتفريغ المؤسسات الدستورية عبر اعتمادهم سياسة «التعطيل» والعمل لمصالحهم الشخصية والشعبوية تحت ستار «الميثاقية» تارة و«الحقوق» تارة أخرى، يسعى الرئيس سعد الحريري في إطار حراك يقوم به الى إنهاء أزمة الشغور الرئاسي التي أثقلت كاهل البلد منذ أكثر من سنتين، مجترحاً الحلول والمبادرات وواضعاً نصب عينيه مصلحة وطنه أولاً، لا المصالح الشخصية التي يسعى اليها البعض اليوم.
الشغور الرئاسي، هو ما يثقل كاهل الرئيس سعد الحريري، وهو الذي يتحرك داخلياً وخارجياً من أجل إجتراح الحلول والمبادرات وسعياً وراء المحافظة على لبنان وتأمين الدعم الدولي والإقليمي له. ومصلحة لبنان هذه، هي التي دفعت الرئيس الحريري في السابق بعد اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري وأحداث السابع من أيار التي اعتدى خلالها الطرف الآخر المتمثل بـ «حزب الله» وحلفائه على أهله وناسه ومؤسساته في بيروت الى الذهاب الى اتفاق «الدوحة» والإتيان بالرئيس ميشال سليمان رئيساً للجمهورية والتضحية من أجل الحفاظ على مصلحة البلد والعيش المشترك فيه.
هذا الهدف الذي يضعه الرئيس الحريري نصب عينيه دائماً، هو الذي دفعه أيضاً الى القبول باتفاق «السعودية – سوريا» بعد عام 2009 والذهاب الى سوريا كرئيس لحكومة لبنان، لكن من دون تبرئة نظام بشار الأسد المجرم من اغتيال والده. هذه المصلحة أيضاً، هي التي دفعت الحريري الى الدخول في حكومة في العام نفسه مع قوى «8 آذار»، مع علمه بأنهم سيضعون العصي في دوالايب انطلاقة حكومته من أجل ملف المحكمة الدولية التي كانوا يسعون للتهرب منها، لكنه آثر ذلك من أجل مصلحة البلد وتسيير شؤون المؤسسات الدستورية.
وعلى الرغم من إسقاط حكومته، لم يتوان الحريري عن الدفاع عن مصلحة البلد وتأمين الدعم الدولي والإقليمي له، وهو ترك للآخرين الحق في تشكيل حكومة من دونه وقرر البقاء في موقع المعارضة من أجل تسيير شؤون البلد. ومن أجل الحفاظ على المصلحة الوطنية وتخفيف حدة الإحتقان الشعبي، آثر أيضاً الدخول في حوار ثنائي مع الحزب لتخفيف التوتر بين الطرفين ومحاولة ايجاد حلول للمشكلات العالقة. كما قرر الدخول في حكومة «المصلحة الوطنية» أو «ربط النزاع» كما أسماها، والتي يترأسها الرئيس تمام سلام، لا لشيء وإنما لمصلحة البلد والحفاظ على إستقراره وديمومته في ظل الحرائق المحيطة في المنطقة. وكذلك كان من أبرز المرحبين والمشاركين بطاولة «الحوار الوطني» التي أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري.
ومع انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، وخوفاً من امتدا الشغور الرئاسي، لم يتوان الرئيس الحريري عن طرح المبادرات من أجل المصلحة الوطنية، بدءاً من ترشيح رئيس «القوات» سمير جعجع مروراً بالحوار مع النائب ميشال عون من دون أي نتيجة وصولاً الى دعم ترشيح رئيس «المردة» النائب سليمان فرنجية. واليوم يسعى الرئيس الحريري جاهداً لتقديم مبادرات وإجتراح حلول، من أجل ملء الفراغ الرئاسي الذي أثقل كاهل الدولة، تماماً كما كان يفعل في السابق والده الرئيس الشهيد الذي كان المحرك الأول للسياسة في لبنان. مبادرات الرئيس الحريري هذه والتي تكون مفاجئة في بعض الأحيان لجمهوره قبل خصومه، وصولاته وجولاته الداخلية والخارجية من أجل حل الأزمة المستمرة منذ سنتين بسبب المعطلين وعلى رأسهم «حزب الله» والتيار «الوطني الحر»، ليس طمعاً من قبل الحريري بمركز وزاري هنا أو مقعد نيابي إضافي هناك، إنما من أجل مصلحة البلد والحفاظ على بنيته. في حين أن ثمة أطرافاً أخرى تسعى وراء أهدافها ومصالحها الشخصية فقط ومصالح الدول الراعية لها من دون أن تهمها مصلحة البلد ولا حتى مصلحة أبنائه ومستقبلهم.
في هذا السياق، يعتبر عضو كتلة «المستقبل» النائب خالد زهرمان في حديث الى «المستقبل» أن «الرئيس سعد الحريري منذ ما قبل الشغور الرئاسي، كان يسعى دوماً الى عدم الدخول فيه، وبعد الدخول فيه أصبح هاجسه كسر هذا الحاجز وتقديم المبادرات من أجل إنهائه لمصلحة الوطن»، مشدداً على ان «الرئيس الحريري يقدم هذه المبادرات من رصيده الشعبي، فبالنسبة إليه المصلحة الوطنية أهم بكثير من المصالح الشخصية والشعبوية». ولفت الى أن «الرئيس الحريري أخذ المبادرة من جديد من أجل إيجاد حلول، وقرر فتح قنوات التواصل مع الجميع بمن فيهم التيار الوطني الحر من أجل الخروج من هذا المأزق، وهو بدأ جولته تحت عنوان كيفية إنقاذ البلد والبحث عن مخارج جديدة».
ويرى عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب انطوان سعد، أن «ما يهم الرئيس الحريري اليوم هو مصلحة الوطن ولذلك هو يسهل لإنتخاب رئيس لأن الوضع لم يعد يحتمل»، مشيراً الى أن «الرئيس الحريري كان سبق وحاول مع الجنرال عون لكنه لم يصل الى أي نتيجة، وعاد ورشح النائب سليمان فرنجية في محاولة منه للدفع قدماً باتجاه انتخاب رئيس». ولفت الى أن «الرئيس الحريري يحاول اليوم أن يجتمع بجميع القوى من أجل إحداث خرق في هذا الملف»، متمنياً أن «يصل هذا الحراك الذي يقوده لمصلحة الوطن الى خاتمة سعيدة لإنهاء هذا الوضع الذي يمر به البلد منذ أكثر من سنتين».