دخلت الإتصالات بين قوى المعارضة و»التيار الوطني الحرّ» مرحلة الجمود. إذ زرع استمهال رئيس «التيار» النائب جبران باسيل المعارضة بعض الوقت، الشكوك في أذهان مفاوضيه في ضوء انعدام الثقة الحاصل، ما رفع منسوب التشكيك إزاء فكرة خروج «التيار» نهائياً عن مشورة «حزب الله» وقطع العلاقة نهائياً بينهما.
يستعمل باسيل أسلوب المراوغة في التفاوض الرئاسي. وما هو ثابت حتى الساعة هو عدم سيره بترشيح رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية. وهو يسعى إلى لعب دور صانع الرؤساء بعدما اصطدم ترشيحه بحائط العقوبات الأميركية والرفض الداخلي الواسع النطاق.
وتؤكّد المعارضة على اختلاف تلاوينها، سعيها للإتفاق على اسم بديل. وتبقى على موقفها الداعي إلى التوافق على مرشّح يُرضي طموح الشعب اللبناني.
وتُفيد المعلومات بتجميد الإتصالات بين المعارضة وباسيل مرحلياً. وتنتظر القوى المعارضة ردّ باسيل بعد طرح عدد من الأسماء الرئاسية. بالتوازي يدخل «حزب الله» على خطّ إقناع حليفه الإستراتيجي، أي باسيل، بأهمية السير بفرنجية ومنحه المكاسب المطلوبة.
واللافت للإنتباه هو الرسائل التي وجّهها «التيار الوطني الحرّ» عبر النائب ألان عون للقوى المعارضة. وتقصّد «التيار» إرسالها لأسباب عدّة، أولها قرب نائب بعبدا من الأفرقاء وعدم تشكيله إستفزازاً للقوى المعارضة نتيجة دبلوماسيته، وثانيها عدم كسره الجرّة مع «حزب الله» لأسباب سياسية ومناطقية خصوصاً أن عون فاز بمقعده النيابي نتيجة الدعم الشيعي لكي يؤمّن الحاصل لأن أصواته لم تبلغ الحاصل في القضاء.
وفي سلسلة مواقف، يعتبر ألان عون أن الرئيس الذي لا يستفزّ «حزب الله» و»أمل» يجب أن يخرج من تكتل «لبنان القوي». ويضرب هذا الطرح أي أمل بالإتفاق مع المعارضة الرافضة أيَّ رئيس عوني. ويُصعّب الأمور أكثر، وبذلك يكون قد أرسل رسائل إيجابية باتجاه عين التينة وحارة حريك.
أما الأمر المثير للإستغراب بحسب المتابعين للملف الرئاسي فهو إعلان ألان عون أنّ المشكلة الرئاسية تكمن في الضمانات التي يعطيها كل مرشح تجاه المرحلة المقبلة ومن يساهم في تطمين «التيار» حول إنقاذ الوضع الإقتصادي والإلتزام باللامركزية وإعادة علاقات لبنان مع الخارج، «فمن يعطِ هذه الضمانات يكن الأقرب لنا».
يحقّ لأي نائب معارض الحديث عن هذه الضمانات، لكن إعلان ألان عون هذا الأمر يعني قوله بطريقة غير مباشرة «إننا نريد رئيساً عكس خالي، الرئيس السابق ميشال عون». لا يتحمّل ألان عون مسؤولية إدارة العهد العوني لأنّ باسيل سيطر على كل مفاصله وأبعد أقرب المقرّبين من الرئيس عنه وبات رئيس «الظل». لكن ألان عون نائب ويجب عليه المحاسبة.
ومعلوم سقوط كل الضمانات التي وقّعت في «إتفاق معراب» والتي عُرفت بالبنود العشرة لحظة وصول عون إلى الرئاسة. فإذا كان العماد عون صاحب أكبر كتلة مسيحية آنذاك وأكبر كتلة وزارية لم يلتزم بالضمانات، فأي رئيس «عنيد» قادر على منح مثل هذه الضمانات، وكيف يطبّقها إذا كانت صلاحيات الرئيس محدودة؟
وبالنسبة إلى تطبيق اللامركزية، فيُطرح سؤال أساسي وهو لماذا لم يُحقق العهد العوني هذه اللامركزية، ولماذا حمى الدولة المركزية التي استطاع «حزب الله» من خلال إمساكه بالقرار المركزي السيطرة على كلّ مفاصلها.
ويُعرف أن البلديات هي التعبير الأول عن اللامركزية، وهنا يُطرح سؤال جوهري آخر: كان موعد الإنتخابات البلدية في أيار 2022 فلماذا تمّ التمديد لها عاماً إضافياً خلال تولّي العماد عون الرئاسة، والأهم لماذا لم تلحظ الموازنة الأخيرة صرف إعتمادات لإجراء الإنتخابات البلدية الممدّدة، ولماذا غضّ عون الرئيس ووزراؤه النظر عن هذا الأمر؟ تضمّن «إتفاق معراب» بنداً أساسياً وهو تطبيق «الطائف» وإعادة علاقات لبنان مع الجوار، ومطالبة النائب عون بإعادة علاقات لبنان مع الخارج يعني المطالبة بما أفسده العهد العوني. وخلال تولّي عون الرئاسة ضُربت علاقات لبنان بالعالمين العربي والغربي وأصبحنا نعيش في عزلة، وعرف لبنان أسوأ تردٍّ لعلاقته بالدول العربية ويدفع الشعب ثمن هذا الأمر.
أما إقتصادياً، فقد وقع الإنهيار خلال عهد عون، ولم يقم بأي خطوة إنقاذية وإصلاحية، لا بل على العكس، إستمرّ الفساد والسمسرات وضرب مؤسسات الدولة، وعُطّل الإتفاق مع صندوق النقد الدولي وانهارت العملة.
قد يكون النائب ألان عون محقّاً في مطالبه لو لم يكن عونياً أو خاله الرئيس عون، فلو كان صادقاً لكان خرج من تكتل «لبنان القوي»، أما رمي التهمة على الآخرين فغير مبرر لأن عون النائب تحالف مع «حزب الله» والرئيس نبيه برّي في انتخابات بعبدا ودخل إلى المجلس بفضل هذا التحالف.
إذاً، بات واضحاً لدى المعارضة إعتماد «التيار الوطني الحرّ» مبدأ المناورة ومحاولة مفاوضة «حزب الله» لأنه غير قادر على الخروج عن طاعة «الحزب»، وإلا لما كان طالب بضمانات، لم يستطع الرئيس عون تحقيقها، إلا إذا كان هناك إعتراف من «التيار» بفشله والمطالبة برئيس عكسه تماماً.