في الوقت الذي حاولت فيه «قمّة جدّة» تصفير الخلافات بين الدول العربية، وبينها وبين إيران، يبدو أنّ لبنان عاد الى «صفر توافق» في ما يتعلّق بالمفاوضات التي حصلت بين «التيّار الوطني الحرّ» وقوى المعارضة، لا سيما «القوّات اللبنانية» على اسم رئيس الجمهورية المقبل، ومحاولة إقناع «الثنائي الشيعي» و»اللقاء الديموقراطي» به لإيصاله الى قصر بعبدا. فكلام عضو تكتّل «لبنان القوي» النائب آلان عون الأخير قد نسف أي اتفاق بين «الوطني الحرّ» و»القوّات»، لا سيما بعدما أعلنه أخيراً عن أنّ «الإتصالات والمفاوضات مع «القوات» لم تصل الى أي مكان، وأنّ صفحة الوزير السابق جهاد أزعور قد طُويت لعدم التوصّل الى اتفاق عليه، ولعدم رغبته شخصياً في أن يكون مرشحاً للمواجهة»، وتأكيده بالتالي «أنّنا عدنا الى المربع الأول»، ما يجعل الأمور مفتوحة على الإتصالات بين التيّار وحزب الله.. فهل عادت الأمور الى نقطة الصفر بالنسبة للتوافق على اسم المرشّح، وأي سيناريو ينتظرلبنان خلال الأيام المقبلة؟!
في الوقت نفسه، تبدو مبادرة نائب رئيس مجلس النوّاب الياس بو صعب مستمرّة، فقد أعلن أخيراً أنّها تخطّت المرحلة الأولى ووصلت الى المرحلة الثانية، مبدياً بعض التفاؤل، وهو يستكمل جولته على القوى السياسية بهدف جمع الكتل على طاولة حوار في المجلس النيابي… فهل تلبّي هذه الأخيرة مثل هذه الدعوة التي سبق وأن رفضتها مرتين، عندما صدرت عن رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي؟ وهل لدى بوصعب خطة «باء» تُنقذه من رفض تلبية الدعوة الى الحوار؟
مصادر سياسية مطّلعة تقول بأنّ الدعوة الى جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية لن تحصل إذا لم يتأمّن الـ 86 صوتاً لأي مرشّح كان، وليس فقط الـ 65 صوتاً للدورة الأولى. لهذا يسعى كلّ فريق الى تأمين النصاب القانوني لمرشّحه من خلال التحالف مع مكوّن سياسي من الفريق الآخر. غير أنّ أي من الفريقين لم يتوصّل حتى الآن الى هذه النقطة مع تفوّق لفريق «الثنائي الشيعي»، الذي يبدو أنّ «التيّار الوطني الحر» سيعود للتحالف معه. فالاتفاق بين باسيل وسمير جعجع لم يحصل على أزعور، سيما أنّ كلّ طرف يريد استخدامه لتحقيق مصالحة الخاصّة.
وإذ يرى البعض أنّه كان هناك فرصة جديّة لتوافق الأحزاب المسيحية على اسم أزعور والذهاب به الى «الثنائي الشيعي» للموافقة عليه، أشارت المصادر الى أنّ الأوراق قد خُلطت مجدّداً مع عودة فرنسا، التي يزورها رئيس «التيّار الوطني الحر» النائب جبران باسيل حالياً، الى التدخّل بشكل مباشر في ملف الانتخابات، ولاحقاً البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في زيارة مرتقبة الى الإليزيه. ففرنسا تُبدي اهتمامها لإجراء الانتخابات الرئاسية في أسرع وقت ممكن، وإن كان لا يمكنها تقديم أي ضمانات لأي فريق إنّما اقتراحات.
غير أنّ هذا الأمر من شأنه أن يفتح الباب على احتمالات جديدة، على ما أضافت المصادر نفسها، أو ربما على معادلة فرنسية ما، قد تُرضي الأطراف المسيحية أولاً. ففرنسا يهمّها اختيار رئيس في أسرع وقت ممكن، يمكن للفريق المؤيّد له أن يوصله الى قصر بعبدا، وترى أنّ تمسّك «الثنائي الشيعي» بفرنجية، مبني على كونه قادرا مع بعض الحلفاء على إيصاله. ولهذا تحدّثت سابقاً عن معادلة فرنجية- سلام، التي يؤكّد الكثيرون أنّها سقطت، فيما لا يستطيع الفريق الآخر الإتفاق على مرشّح معيّن، فكيف سيتمكّن من إيصاله الى قصر الرئاسة؟
كذلك ثمّة قلق فعلي لدى الفاتيكان وفي بكركي من تهوّر بعض الزعماء المسيحيين وعدم تحمّل المسؤولية، وإضاعة كلّ فرص الاتفاق بسبب إعطاء الأولوية لمصالحهم الشخصية. علماً بأنّ الفشل في انتخاب الرئيس يهدّد مبدأ المناصفة الذي ينص عليه الدستور، ولا شيء يضمن أن يتمّ مستقبلاً العودة الى هذا المبدأ، في حال جرت زعزعته بفعل بقاء الشغور الرئاسي على حاله، فيما لا يهتمّ المسيحيون بالإسراع وبتسهيل انتخاب الرئيس.
وتجد المصادر أنّ حلّ الملف اللبناني يجب أن يترافق مع التسوية في المنطقة، وإلّا يبقى لبنان يُغرّد خارج السرب ويذهب بمفرده الى الحجّ، فيما الدول الأخرى تعود منه. لهذا لا بدّ من الاستفادة من أي مبادرة مطروحة، ومنها مبادرة بو صعب، لفتح الباب مجدّداً على تسوية داخلية، سيما أنّه ليس من حلّ خارجي سوف يهبط على المسؤولين اللبنانيين، ما لم يتفقوا بين بعضهم بعضا. ولعلّ كلام النائب عون عن «العودة الى المربّع الأول» يعني أنّ «التيّار الوطني الحرّ» سيعود للتوافق مع حزب الله على اسم الرئيس. فإذا تمكّن من تسويق اسم لا يُشكّل استفزازاً للثنائي الشيعي يتخلّى عن فرنجية ويقبل به، وفي حال لم يوافق يكون على باسيل إمّا التصويت لفرنجية أو تأمين النصاب القانوني للجلسة، فلا سيناريو آخر متوقّع للأيام المقبلة.
وحتى الآن، لا يبدو أنّه سيكون هناك جلسة قبل 15 حزيران المقبل، أي التاريخ الذي حدّده برّي كحدّ أقصى لانتخاب الرئيس، على ما أكّدت المصادر عينها. فالفرصة الجديّة لتوافق الأحزاب المسيحية على اسم معيّن والذهاب به الى «الثنائي الشيعي» للموافقة عليه قد نُسفت… تبقى مبادرة بو صعب ومبادة النائب المستقلّ غسّان سكاف، فإذا اقتربت أي منهما من حلّ منطقي يُرضي جميع المكوّنات السياسية كان به، وإذا لم تتوصّل الى أي نتيجة إيجابية، فسيتمّ الذهاب الى المجلس بمرشّح واحد هو مرشّح «الثنائي»، إذا نجح تحالف حزب الله- باسيل وبعض النوّاب المستقلّين.