يحتدم الصراع في المنطقة، ولا تبدو حلول في الأفق على رغم انطلاق المفاوضات، فنحن اللبنانيين أكثر خبرة من غيرنا في مسار التفاوض ونتائجه. تدخلت روسيا منعاً لانهيار نظام بشار الاسد، وانسحبت في اللحظة المناسبة قبل الغرق في المستنقع الموحل، وتحوّلها أداة يحارب بها النظام وايران كل المحتجين على سياسة الاول وتدخل الثانية. المعادلة في سوريا، ما بعد الانسحاب الروسي، ستتبدل، ومعها معطيات لبنانية. ستجد ايران، ومعها “حزب الله” ضمناً، نفسها في الحرب المباشرة، وعليها ان تعوّض الغياب الروسي، وهذا مكلف ماديا وبشريا. في المقابل، ستجد المعارضات السورية، والدول الداعمة لها، فرصة لالتقاط الانفاس والاستعداد لمرحلة جديدة من الحرب. لن تتنازل بعد اليوم، ومثلها سيفعل النظام، مما يسقط إمكان نجاح الحوار في ظل تشبث نظام الاسد بحلم استعادة السيطرة على مجمل التراب السوري.
أضف الى هذا العامل، التوتر الخليجي تجاه ايران، ولبنان، وتحديدا “حزب الله“، والمواجهة المكشوفة بين السعودية وايران، والتي تنذر بالمزيد خصوصا بعد إعلان السيد حسن نصرالله صراحة تدخل الحزب في الساحات العربية المختلفة وصولا الى دول الاتحاد السوفياتي سابقا.
في ظل هذا الاحتدام ماذا سيكون عليه الوضع اللبناني وتحديدا الرئاسي؟ وهل ينتظر اللبنانيون تقاربا مستحيلاً او تواصلاً مقطوع الخطوط والاشارات، ما بين السعودية وايران، ولو عبر وسطاء، لإطلاق صافرة الإنطلاق للمسار الرئاسي؟ بالطبع لا. لا يمكن الاتفاق بالحد الادنى على الملف اللبناني إذ تحول ورقة اضافية يتمسك بها كل طرف، وإذا كان لا يملك القرار فيها، فانه على الاقل، يملك القدرة على تعطيلها.
هذه حال الرئاسة اللبنانية، وهي أمام مفترقين: الاول ان يحقق النظام السوري انتصاراً محدودا في بلاده، فيتمسك، ومعه ايران، بالورقة اللبنانية، لاستكمال ما يعدّانه انتصاراً، ويحاولان الاتيان برئيس يحددان اسمه، فيما تسعى الدول المناوئة الى منعه من الوصول. والثاني، ان يصاب النظام، ومن معه، بانتكاسة، فيتراجع الايراني الى الخطوط الخلفية في لبنان، ويحاول ان يمسك به تعويضا، وهو ايضا سيلقى معارضة شديدة، وسيواجه القدرة على التعطيل لدى الطرف الآخر.
هكذا يبقى لبنان مصلوبا مع جارته سوريا، التي لم توفر له راحةً وأماناً، في زمن استقرارها او في زمن حروبها الداخلية، وتبقى الرئاسة اللبنانية رهينة صراعات المنطقة، ومن المرشح ان تطول أزمتها، وكل ما يقال عن إمكان الاتفاق الداخلي يبقى ضرباً من الخيال إذا لم يكن استسلاما لفريق وقبولا بخيارات الآخر. وهذا ليس اتفاقاً ولا توافقاً في اي حال. الاكيد ان الصراع في المنطقة سيطول، وتطول الازمة اللبنانية، ومعها تصبح الرئاسة في خبر كان مع سياسيين موارنة أقل ما يقال فيهم انهم تحولوا أدوات للتعطيل حتى لا نقول ألعوبة.