«الباكيدج ديل» السياسي – الإصلاحي هو السبيل للخروج من الأزمة!
حتّم الانسداد الرئاسي نتيجة غياب مقدرة القوى المحلية على حسم خياراتها واتجاهاتها (بعضها ينتظر كلمة السر الخارجية ليتحرّك في هديها)، استكشاف سبل أخرى، من أجل إنهاء الفراغ في المنصب المسيحي الأول والوحيد في لبنان ومحيطه المشرقي والإسلامي.
ومع تقطّع الأوصال بين القوى السياسية وانعدام التواصل إلا لغايات صفقاتية، غالبا ما تكون السبلُ الأخرى الخارجَ الذي يظهر في أحيان كثيرة أنه حريص على لبنان اكثر من لبنانيين كثر، وخصوصا أولئك الذين سلّموا ويسلّمون لكل أجنبي، محتلا كان أم صديقا.
قادت تلك السبل الأخرى البديلة عن الإنسداد المحلي، رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الى الدوحة وباريس، بحثا عن «باكيدج ديل» لا ينهي الفراغ الرئاسي فحسب، بل يؤسس لوقف الهريان والتفكك في الدولة، ولإنطلاقة جديدة في عهد رئاسي يؤمل أن يكون غير.
لا يخفى أن التيار الوطني الحر أخذ عبراً كثيرة من عهد الرئيس ميشال عون. أولّها وأهمّها أن اخطبوط الدولة العميقة – الموازية لا يحتمل الدولة الأصيلة متى تطلّعت إلى الانعتاق من نيره وفساده. هو قادر على التدمير، ومتمكّن في فنّ هدم الدولة الأصيلة وما فيها وعليها، حال تيقّنه أنها ما عادت تستطيع الإحتمال وتحمّل عوارض الارتخاء المؤسسي والاقتصادات الموازية والفساد المتأصّل.
ذهب باسيل الى الخارج بحثا عن السلّة التي تقدّم للبنانيين سلطة غير، تقْطع مع الماضي وتقَطُّع أوصال الدولة، مؤهّلة ألى أن تقود لبنان الجديد حيث الإصلاح هو اللبنة الأولى، وحيث الحكّام الجدد لا يخططون لاستباحة الموارد الحديثة من نفط وغاز، على غرار معاجلة كثر من حكّام الزمن البائس الى تأسيس شركات نفطية في الخارج لتركيب صفقات البيزنيس السياسي، بعدما أمعنوا على مدى 33 عاما في تدمير خزينة الدولة لمصلحة خزائنهم الخاصة. والملفات كثيرة، من مافيا النفط والفيول التي انطلقت مع بزوغ جمهورية الطائف، الى مغارة الخليوي بدءا من سنة 1994، ومصادرة الأملاك البحرية والنهرية العامة وأرباحها الفلكية، وليس انتهاء بدويلة المولدات الخاصة والمعابر البرية والجوية والبحرية المشرّعة للتهريب.
1- هل باستطاعة باريس، على سبيل المثال، أن تدير الظهر لأي تركيبة سلطوية تشكّل امتدادا لمنظومة الفساد والقهر القائمة الساعية بلهفة الى القضاء على آخر مقدرات اللبنانيين بعدما سرقت ودائعهم ومدخراتهم وهرّبت اموالها الى الخارج وأفرغت الخزائن العامة والخاصة؟
2- هل في استطاعة القيادة السعودية والتي واجهت الفساد والفاسدين، أن تُسرّ لتركيبة سلطوية مجبولة بالإفساد تتحضّر منذ الآن إلى حجز أماكن في خزائنها لمال النفط والغاز؟
3- هل في استطاعة واشنطن، التي تعتبر الـaccountability (المساءلة) عماد فلسفتها الأخلاقية (قانون ماغنيتسكي مثالا)، أن تسكت على محاولات إعادة ضخ الدماء في تركيبة الفساد وأجنحتها والنيو – ترويكا التي لا تعدم فرصة من أجل تثبيت عاهة الـ impunity (الإفلات من العقاب)؟
4- هل في استطاعة الأمم المتحدة أن تتغاضى عن تأصيل الفساد في المجالات المجتمعية، وهي التي تعتبر أن «منع الفساد يؤدي إلى تدشين التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ويساعد على حماية البسيطة، ويساعد في إنشاء الوظائف والأعمال وتحقيق المساواة بين الجنسين، فضلا عن أنه يسهل الحصول على الخدمات الأساسية»؟
يطرح باسيل التغيير والتجديد على من يحدّثهم في الخارج، تأسيسا على كل تلك الحقائق. فالحاجة ملحّة إلى سلّة متكاملة سياسية وإصلاحية واقتصادية تصلح لأن تكون حجر الأساس لبنيان لبناني جديد يؤتمَن عليه حصرا من لم يمعن في الفساد، تتأصّل فيه لوثة الميليشيا التي ما فئتت تتحكّم بعقول أمراء الحرب – حكّام لبنان الميامين.
يحدث كل هذا مع باسيل الذي يضّطلع راهنا بدور وازن محلي وخارجي يتخطى مسألة إنتخاب رئيس للجمهورية، فيما كثر في الداخل، من خصوم ولا – خصوم، يسعون الى التشويش:
أ- بعض الخصوم، القاصرون على إدراك ما يفعل باسيل، يتلهّون بمزاحمته على محطة للصرف الصحي في البترون أو على تعبيد طريق أو محطة مياه.
ب – وبعض اللا-خصوم يتقصّدون إخراج زيارته الى قطر وفرنسا من سياقها الحقيقي، بغية إحراجه.
وكذلك فعلوا في مسألة لقائه غير المعلن برئيس مجلس النواب نبيه بري. حقيقة الأمر أن اللقاء جاء بمبادرة من السفيرة فرح بري وهي كريمة رئيس المجلس، وقد رحب بها فورا باسيل وبري، مع التأكيد في الوقت نفسه على أهمية واستمرار التواصل مع جميع المرجعيات والأحزاب السياسية في البلاد، ومن ضمنها بري، من أجل إيصال لبنان الى بر الأمان وإيجاد الحلول الوطنية لمسألة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ووضع لبنان على سكة التعافي.