غمز الرئيس نبيه بري من قناة المتدلعين في السياسة أصاب أكثر من عصفور بالحجر الواحد، فقد جرّ الجميع الى مواقع الدفاع عن النفس، ان بالانكار أو بردّ الاتهام، وغالباً بتوجيهه الى الغير…
الرئيس فؤاد السنيورة كان أول المبادرين الى القول بأن بري يعرف من يقصد، وان من كانت تحت إبطه مسلّة بتنعره، ولحسن الحظ نحن لسنا من هذه الفئة، رافضاً الانزلاق الى دوحة جديدة، طالما ان ايران ومن خلفها حزب الله، ليسا جادّين بانتخاب رئيس للجمهورية قبل ان يصبح في واشنطن من يفاوضها عليه.
ومع ان السنيورة حصر مسؤولية تعليق الرئاسة بايران وحزب الله، فان وزير التغيير والاصلاح الياس بوصعب، حوّل مسار كلام رئيس المجلس باتجاه تيار المستقبل، وقال: ليس التيار الحر من يتدلّع، بل تيار المستقبل الذي لم يتخذ القرار الشجاع بحل الأزمة أي بانتخاب عون رئيساً…
أوساط سياسية مستقلة ومتابعة، قالت ان الرئيس بري، لا يقصد تيار المستقبل بمثل الغمز الذي رمى به المتدلعين، في موضوع الرئاسة، لأن علاقته الحميمة بقادة المستقبل تغنيه عن المغامزة ولفت النظر، وان خلفية كلامه توحي بأن محاولة ما خارجية وداخلية، جرت لاقناع قيادة التيار الوطني الحر، بأن مشروعها الرئاسي لن يبصر النور، وبالتالي ان بوسع العماد ميشال عون أن يكون الأب الصالح وفق تعبير النائب مروان حمادة، فيذكي أحد الملائمين للمرحلة الرئاسية الراهنة، وهو من خارج لائحة الأربعة المكتوبة بحبر بكركي، مقابل حصة وازنة في مجلس الوزراء ومختلف مؤسسات الدولة، لكنه تدلّع، بحسب تعبير الرئيس بري، ولم يسهّل الأمور متمترساً خلف رهانه المستحيل.
وتقول الأوساط ان الطبخة نضجت، ولو أمكن اقناع عون بهذا الحلّ، لأقفل شهر آب على وصول رئيس الى بعبدا…
لكن يبدو ان الأجواء الاقليمية، لم تكن مهيّأة بعد لمثل هذه الخطوة، وخصوصاً على المستوى الايراني، فطهران تفضّل البيع والشراء مع الأميركيين مباشرة، لكن واشنطن، غائبة عن السمع الآن، وحتى انتخابات تشرين الثاني الرئاسية، وقمة العشرين المقررة في الصين الأسبوع المقبل، لا تحفز من بيدهم ورقة الرئاسة اللبنانية على التساهل، تبعاً لغياب طهران وحدها من الدول الاسلامية النافذة حالياً في لبنان وبعض الأقطار العربية، في حين ستكون السعودية حاضرة ومثلها تركيا وأندونيسيا وماليزيا، فيما تشارك مصر بشخص الرئيس السيسي كضيف.
يقولون في الأمثال، فلان غاب لكن ملائكته كانت حاضرة، وتستصعب الأوساط أن يكون بين المشاركين في هذا المؤتمر من يمكن توصيفه بالملاك الايراني، فالدول مصالح، ومن يحضر السوق يبيع ويشتري…
ويبدو ان مصدر الدلع الذي سجله بري على من تحت إبطه مسلّة، هنا في قمة العشرين وفي انتخابات الرئاسة الأميركية، وفي مجمل العوامل الدولية والاقليمية التي ما زالت عاجزة عن دفع كفالة الافراج عن ورقة الرئاسة اللبنانية المحتجزة، ومعها معظم مؤسسات الدولة، في نظارة المصالح الاقليمية.
وطبعاً، سيكون الاهتمام في قمة بكين بالأزمة السورية أولاً وأخيراً، ومن ضمنها يمكن تناول أزمة لبنان الدستورية، وما تخشاه الأوساط ان تكون متفجّرة كسارة التي استهدفت حافلة تقل مناصرين لحركة أمل الى احتفال تغييب الإمام الصدر في صور، تشعيلة متواضعة، ضمن خطة ما لتحمية الأجواء في لبنان، وربما في سوريا، ضمن اطار المواكبة الساخنة لتلك القمة الدولية، وبهدف التمهيد لتفاهمات قد تنتج حلولاً على مستوى المنطقة…
لكن الأوساط عينها واثقة بأن من عناهم الرئيس بري كمتدلعين، سيستمرون على دلعهم، حتى لو فاتهم القطار، وهو سيفوتهم، بالمقاييس السياسية للمرحلة الراهنة.