يبدو أنّ الفترة الفاصلة عن موعد انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 9 كانون الثاني المقبل ستكون مليئة بالمناورات السياسية التي سيتخلّلها استبعاد أسماء وتعويم أخرى، في انتظار أن يحمل ربع الساعة الأخير مؤشرات جدّية إلى السيناريو الأكثر رجحاناً، بعدما تكون الطبخة الرئاسية قد نضجت تحت ضغط الظروف المستجدة او ربما احترقت بسبب كثرة الطبّاخين.
إلى حين اكتمال كلمة السرّ التي لا تزال حروفها مبعثرة، فإنّ كلاً من القوى الداخلية سيحاول قدر الإمكان تحسين شروطه وزيادة أسهمه في اي “صفقة رئاسية”، وسط تجاذب بين اتجاهين:
الاول، يمثله الفريق الذي يعتبر نفسه منتصراً بفعل تحولات ما بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان وسقوط نظام بشار الاسد، وهو يريد تسييل هذا النصر رئاسياً عبر التشدّد في طرح المعايير الملائمة له، والتي تضمَن إيصال مرشح يتقاطع مع أدبيات المعارضة وخياراتها.
والاتجاه الثاني يعكسه الفريق الآخر المقتنع بأنّ التوازنات الداخلية لا تزال راسخة وثابتة ولم تتبدّل على رغم من قوة عصف الرياح التي هبّت على لبنان وسوريا، وبالتالي فهو لا يمكنه أن يقبل بانتخاب رئيس معادٍ للمقاومة في ظل المعادلة السائدة التي تمنح الثنائي حركة “أمل” – “حزب الله” وحلفاءه القدرة على منع مرور ما يرفضونه، وإن كانت لا تسمح لهم من جهة أخرى بالحصول على كل ما يريدونه.
وترجمة للتجاذب بين هذين المنطقين، تنقل مصادر واسعة الاطلاع عن قطب في المعارضة قوله لبعض زواره أخيراً: “إننا منتصرون بعد سقوط نظام بشار الأسد والضربة القوية التي تلقّاها “حزب الله” ووصول دونالد ترامب إلى الرئاسة في الولايات المتحدة، ولذلك أصبح من حقنا نحن أن نختار رئيس الجمهورية والآخرون يوافقون عليه، بعدما كان الآخرون هم الذين يختارونه وعلينا نحن ان نوافق عليه”.
ويعتبر هذا القطب، وفق رواية المصادر، أنّ المطلوب في هذه المرحلة “اختيار شخصية استثنائية لمهمّات استثنائية”، متسائلاً عمّا يمنع انتخاب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع رئيساً “بعدما بات الأكثر تناسباً مع مواصفات الحقبة الجديدة، ولديه من العلاقات الدولية والعربية ما يسمح له بأن يكون مؤهلاً لتولّي منصب الرئاسة”، وفق مقاربة القطب المتحمّس له.
ولكن إحدى الشخصيات النيابية الوسطية التي تنشط على خطوط المشاورات تلفت إلى انّ جعجع الذي بات حلم الرئاسة يدغدغه على وقع التحولات الضخمة، يتجاهل تركيبة المجلس النيابي المعقّدة، ويقفز فوق حقيقة أنّ الثنائي “أمل” – الحزب لا يزال يملك، بموجب التوازنات السياسية والنيابية “حق الفيتو” الذي من شأنه الحؤول دون انتخاب رئيس لا يحظى برضاه.
وتتساءل تلك الشخصية: “حتى لو سلّمنا جدلاً انّ جعجع يستطيع الحصول على أكثرية ضئيلة للوصول إلى بعبدا، فكيف سيحكم في اليوم التالي بلا مكوّن أساسي، وهل سيستطيع تشكيل حكومة؟”.
وتكشف الشخصية انّها استنتجت من لقاءاتها مع السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، انّ الرياض حريصة أيضاً على عدم إقصاء المكوّن الشيعي. وتشدّد على ضرورة اندماجه في السلطة التي يُراد إعادة تكوينها.
وتشير الشخصية إلى انّ السعودية والولايات المتحدة مستمرتان في دعم انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون، وإن كانتا تتفاديان المجاهرة باسمه.
واللافت، انّ سليمان فرنجية الذي يستعد للانسحاب من المعركة الرئاسية، أصبح يحبذ كذلك انتخاب عون على رغم من انّ علاقتهما كانت متوترة في السابق.
ولئن كان فرنجية يفضّل بطبيعة الحال تجيير ترشيحه ودعم حلفائه إلى صديقه وحليفه النائب فريد الخازن، الّا انّه إذا تعثر هذا السيناريو فإنّ المعلومات تفيد بأنّ فرنجية تمنّى على بعض حلفائه عدم دعم اي اسم ينتمي إلى الصف الثاني أو الثالث، واعتماد خيار عون انطلاقاً من انّ هناك حاجة، في رأيه، إلى مرشح يتحلّى بالهيبة ولا يكون خاضعاً لتأثير سمير جعجع أو جبران باسيل.
ولئن كانت أسهم عون ارتفعت نسبياً منذ أيام، الّا انّ “الثنائي” لم يبد بعد أي موقف علني مؤيّد له كمشروع رئيس، وإن كان حريصاً في الوقت نفسه على أفضل علاقة معه كقائد للجيش، خصوصاً انّ تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 يتطلبان أعلى تنسيق وتعاون بين الجانبين.
وفيما يستمر “التيار الوطني الحر” في معارضته لخيار عون، تبدو “القوات” أمام اختبار نيات للتثبت من صدقية التزامها بموقفها السابق الذي لم يمانع في انتخاب “القائد”، علماً انّ خصومها يؤكّدون انّها تضمر في هذا المجال غير ما تعلن.
وضمن الاحتمالات المتداولة، يبرز أيضاً اسما اللواء الياس البيسري والوزير السابق زياد بارود، وهما موضع تقاطعات محلية ـ خارجية تبقيهما ضمن مضمار السباق إلى قصر بعبدا، مع الأخذ في الحسبان أنّ اسماء أخرى قد تخرج من تحت الطاولة في اللحظات الحاسمة، تبعاً للمسار الذي يمكن أن تتخذه المقايضات والمساومات بين اللاعبين في الداخل والخارج.