للمرة الأولى، والأكثر جدية، بات الجميع مقتنعاً بأنَّ كلَّ الملفات تمرُّ برئاسة الجمهورية وبانتخاب رئيس للجمهورية، وما عدا ذلك كله تنظيرات لا طائل منها على الإطلاق:
أزمة آلية العمل في مجلس الوزراء لن تُحَلَّ وفق المقاربات التي يتم الحديث عنها، فتطبيق الدستور لجهة التصويت على اتخاذ القرارات ينطبق حين يكون هناك رئيس جمهورية، أمّا في حال الشغور في موقع الرئاسة فإنَّ هناك مَن يعبِّر عن مخاوفه من أن تُتَّخذ قرارات لا تكون في مصلحة طائفة معيَّنة. صحيح أنَّ الجميع لا يتجرأون على التفوه بهذا الكلام ولكن هذه هي الحقيقة، إذاً مَن يبحث عن إتخاذ قرارات في مجلس الوزراء فما عليه سوى الدفع في اتجاه إنتخاب رئيس للجمهورية فتُحلُّ هذه المشكلة، وما دون ذلك فإنَّها ستبقى قائمة.
***
هذا الواقع أكد عليه الرئيس سعد الحريري مجدداً، حيث اعتبر أنَّ عدم إنتخاب رئيس للجمهورية لا يؤثر على رئاسة الجمهورية فقط، بل على البلد ككل، لأنَّ البلد لن تستقيم أموره من دون رأس. ولهذا فإنه يحاول من خلال الحوار والمشاورات تحقيق الإستقرار، ولكن من دون رئاسة الجمهورية لا وجود لمؤسسة تجمع اللبنانيين وتحاول تسيير أمورهم.
ولكن أين أصبحت رئاسة الجمهورية؟
حتى الآن لا مؤشرات على أنَّها ستنضج في القريب العاجل بل هناك منظِّرون فيها، وجوهر بعض هذه التنظيرات هو العرقلة وليس التسهيل.
أحدثُ كلامٍ صدر في هذا المجال ما قاله رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان في دبي، في حفلِ استقبال أقامه له قنصل لبنان في دبي، فحدَّد مَن هو الرئيس الضعيف الذي يجب ألا يأتي رئيساً للجمهورية، ومما حدَّده من مواصفات:
الرئيس الضعيف هو الخائف على أمنه وخائف على حصص شعبيته في الحكم وإرث أولاده في الحكم والصفقات، هو الرئيس المتورِّط أو سهل التورُّط هو وعائلته، الذي يريد أن يؤمِّن أولاده وأصهرته في الحكم أو الصفقات، وهو الذي يسعى حتى قبل مجيئه إلى التمديد أو التأبيد.
بعضٌ ممن كانوا في حفل الإستقبال لم يتوانوا عن التعليق على هذا الكلام غير الرئاسي وطرحوا جملةً من الأسئلة ومنها:
كيف يكون الرئيس ضعيفاً حين يخاف على أمنه؟
وما هو المطلوب؟
هل المطلوب أن يكون من دون حماية ويُعرِّض نفسه للإغتيال ويكون لقمة سائغة للإغتيال لكي لا يُقال عنه إنه ضعيف؟
في أيِّ خانةٍ يضع رئيس الجمهورية نفسه حين يربط بين الرئيس الضعيف وبين الذي يكون متورِّطاً أو سهل التورُّط هو وعائلته وأولاده وأصهرته في الحكم أو في الصفقات؟
يطرح الحاضرون هذا التساؤل فيما قضية الكازينو والفائض فيه من الموظفين ما زال مطروحاً. ماذا عن أداء الأشقاء والشقيقات والأَصهار في قضايا بيئية وصناعية وتوظيفية التي يعرفها الجميع ويحفظونها عن ظهر قلب؟
أما عن التمديد والتأبيد فإنَّ الوساطات غير المعلنة للتمديد لم تعد خافية على أحد، وهذا الملف جال على بعض العواصم العربية والأوروبية من دون أن يلقى أيَّ صدى.
***
في أيِّ حال، فإنَّ البعض يعتبر أنَّ الرئيس ميشال سليمان بات حالة إعلامية في أقصى حدودها، فبعضُ ما قاله في دبي والذي يبدو أنَّه موجَّهٌ بشكلِ أساسي ضد العماد ميشال عون، يرى البعض أنَّه سيرتدُّ عليه خصوصاً أن هناك أكثر من قضية تتناول عهده وتتعلَّق بالأشقاء والأصهار والمقربين ممن كانوا في موقع فاعل أو أصدقاء مقربين من موقع فاعل، وبعضٌ من هؤلاء سبقوه إلى دبي وكانوا في حفل الإستقبال وصفقوا له.
***
يبقى أنَّ ملفَّ الرئاسة لن ينضج إلا على نار الحوار بين الرابية ومعراب، فهل يُسرِّع عون وجعجع آلية حوارهما لقطع الطريق على الذين يهوون اللعب في ملعب الرئاسة لعرقلتها؟