في الفراغ السياسي يصير اللاشيء حدثاً يُحتفى به، وما بدا مزحة تناقلها جلّاس الصالونات والمقاهي تحوّل عناوين صحف ونشرات. هكذا بعد انتظار شهور لإعلان “ورقة النوايا” من الرابية يسأل المهتمون بالشأن العام بعضهم بعضاً هذه الأيام ما أخبار الإستطلاع الذي سيجريه “التيار العوني” على المسيحيين حصراً من أجل تحديد من هما الزعيمان الأقوى بين الموارنة لدعم ترشيحهما للرئاسة.
حتى هنا لا جديد تحت الشمس لكن حواجب سياسيين ترتفع عندما يؤكد زميل لهم قريب من الجنرال ميشال عون أن زيارة الدكتور سمير جعجع لغريمه السابق ما كانت لتتحقق لولا اتفاقهما على القبول بنتيجة الإستطلاع باعتباره آلية للوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية. يسارع هؤلاء السياسيون إلى ملاحظة أن لا شيء يدل في السلوك السياسي لرئيس “القوات” بعد إعلان “ورقة النوايا” على أنه يمكن أن يقبل بما يخالف اقتناعاته الأساسية، لا بل يبدون إعجابهم بمهارته من غير أن يخفوا جهلهم بتفاصيل ما يذهب إليه في علاقته المستجدة بالجنرال عون. يلاحظون أيضاً أن عون لم يبتعد قيد أنملة عن الخندق السياسي الذي يتمترس فيه مع حليفه “حزب الله”، ليؤكدوا أن من رابع المستحيلات الوصول إلى نقطة يؤيد فيها جعجع ترشيح عون للرئاسة، ولو على سبيل المناورة سواء لحشره أو لحشر حلفائه في قوى 8 آذار الذين يُقال إن بعضهم ليس صادقاً في تأييد ترشيحه، فهذه لعبة يدرك رئيس “القوات” خطورتها وليس ما يمنع “حزب الله” من الضغط على من حوله وحتى بعض الوسطيين في البرلمان من أجل إيصال رئيس إلى بعبدا يدين له بالولاء. ما يفعله جعجع وفق هؤلاء أنه يتقرب من جمهور الجنرال وليس من الجنرال نفسه.
يسأل أحدهم عن افتراض حصول ما ليس محتملاً حتى اليوم، أي تأييد رئيس “القوات” لترشيح غريمه السابق نزولاً عند “إرادة غالبية المسيحيين” التي ستصب لمصلحة عون ما دامت الشركة التي ستتولى الإحصاء ستكون مكلفة بذلك من “التيار العوني” نفسه، هل يبقى الدكتور جعجع في هذه الحال مرشح قوى 14 آذار الرئاسي، أم تتجه هذه القوى إلى تأييد ترشيح غيره، الرئيس أمين الجميّل على سبيل المثال، أم تقرر القوة الأكبر في التحالف مسايرة الوضع الناشئ لئلا تُتهم بأنها تحول دون تحقيق رغبة الشركاء المسيحيين وعلى قاعدة أنها هي أيضاً قادرة على التفاهم مع عون، على غرار ما فعلت قبل تشكيل “حكومة المصلحة” برئاسة الرئيس تمام سلام؟
والسؤال يجر السؤال ويطرح نفسه في هذه الحال: هل اللبنانيون وحدهم يقررون في موضوع بخطورة تسليم أعلى موقع في السلطة إلى حليف حليف لإيران، حتى قبل جلاء نتائج المفاوضات النووية معها؟
أياً يكن، يبدو أن هناك من يلعبون على الحافة، والناس يعتقدون أن لا شيء يحصل في لبنان غير الملل.